إنّ وقوف الإنسان في الصلاة أمام الله سبحانه وتعالى في خشوع وتضرُّع يمدّه بطاقة روحيّة تبعث فيه الشعور بالصفاء الروحي والإطمئنان القلبي والأمن النفسي(1).
إذا كانت الصلاة كذلك، فلماذا بعض المصلِّين لا يحسّون بكل هذه النعم العظيمة ولا يزالون يعانون من القلق والإضطراب؟
هذا سؤال جدّي ويحتاج إلى إجابة معمّقة لا يسعها هذا المقام وذلك لأنّ للحالات النفسيّة أسباب عديدة وبعضها وراثية وبيئية، وقد يحتاج بعضها إلى علاج طبي فعّال، ولكن لنسأل: هل المصلّون أفضل حالاً من غيرهم؟
بلا شك: الإجابة بـ(نعم)، فكم من المصلِّين يقدمون على الإنتحار؟
وهل يتساوى نسبة المرضى من المصلِّين مع غيرهم؟
الجواب: بلا شك بـ(لا)، فإنّ المتدينين أفضل حالاً من غيرهم.
وقد أثبتت الإحصائيات والدراسات في مجتمعات مادية كأميركا، بأنّ المتدينين أكثر شعوراً بالسعادة وأقل شعوراً بالوحدة.
ويعود جزء كبير من السعادة عند المتدينين إلى أنّهم يحسّون بوجود معنىً لحياتهم، حيث ثبت أنّ الأفراد الذين يفتقرون إلى معنىً لحياتهم يميلون إلى أن يكونوا أقل سعادة في كل جوانب الحياة "والتديُّن مصدر أكيد للسعادة، رغم قلّة تأثيره – في أميركا – وهو أكثر أهميّة لكبار السن وأكثر ارتباطاً مع
السعادة الزوجية والصحّة"
ولكن ينبغي أن نعلم بأنّ الصلاة يزداد تأثيرها كلّما إزدادت فيها صلة الإنسان بربّه، لتكون حقّاً صلاة، ولتأتي ثمارها وتلقي بظلالها على حياة الإنسان، لذا قال الله تعالى : (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون/ 1-2).
أمّا إذا كانت الصلاة مجرّد عادة وروتين، أو كانت صلاة الكسالى، أو صلاة الرِّياء.. فإنّها ستكون ثقيلة على النفس، خفيفة في الميزان، وسيقل بذلك تأثيرها في حياة الإنسان.
يقول الله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقوا ربِّهم وأنهم إليه راجعون) (البقرة/ 45-46).
ولكي نكتسب الخشوع، لابدّ من أن نشعر أو نتذكّر أنّنا نقف بين يدي الله تعالى، ربّنا وخالقنا، الذي منه بدأنا وإليه نرجع، فهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن.. هو مالك الوجود ومالك يوم الدين، الذي لا نرجو إلا فضله ولا نخشى إلا عدله.
إنّ المصلِّي يتهيّأ لصلاته بالوضوء وهو إسباغ الماء على الوجه واليدين.. ويتطهّر للقاء الحبيب، والماء وهو يمر يذهب عن أطراف الإنسان غبار الحياة المادية وآثار الذنوب المعنوية.. ومع آخر قطرة من الماء – كما في الحديث – يخرج نقياً من الذنوب، ليشعر الإنسان ببرد المغفرة والرضوان، مع برودة الأعصاب واسترخاء الأعضاء، ففي الحديث الشريف: "إنّ الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ".
وإذ يقف الإنسان أمام ربّه، يحس بالخشوع، بالخوف والرَّجاء، بالأمل المقرون بالعمل، بالرَّحمة المنسكبة على كل وجوده وهو يُكبِّر ويُهلِّل، ويُسبِّح ويحمد، ويشهد ويُسلِّم.. يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ويختم بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.. إنّه يُصلِّي وكأنّ الوجود كلّه معه يُصلِّي، ويخضع ويخشع ويسجد ويركع مع كل عباد الله الصالحين، من الأوّلين والآخرين، من الملائكة وعباد الله المقرّبين.. فيالها من لحظات أنس مع المولى تحمل معها هدوء الخلوة وحلاوة النجوى في نفس الوقت الذي تبعد عن النفس وحشتها ووحدتها، خصوصاً إذا اجتمعت مع المصلِّين في المسجد وصلوات الجمعة والجماعة.
يقول الطبيب توماس هايسلوب: "إنّ الصلاة أهم أداة عرفت حتى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبثّ الهدوء في الأعصاب".
يعتبر الإسترخاء أحد أساسيات العلاج النفسي الحديث في إزالة القلق، والوضوء والصلاة لخمس مرّات تهيِّئ للإنسان فرصة كبيرة للإسترخاء المرافق للراحة النفسيّة واستلهام الأمن وكسب الدعم الروحي من خلال الإتصال بالله تعالى، لذلك كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول لبلال إذ حلّ وقت الصلاة: "أرحنا يا بلال"، وكان يقول: "قرّة عيني الصلاة"، وفي الأثر: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان إذا حزّ به – اشتدّ – أمر صلّى(3).
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعلقك يزيدنا ابداع