نا ابن حى شعبى.. تربيت فى مساكن إيواء الشرابية، وحين قررت أسرتى أن
(تعزل) فى مكان أوسع وجدته فى عطفة جوّا حارة متفرعة من شارع، وحين قررت
أنا أن أتزوج سكنت فى (عزبة النخل)، فى مكان غريب، لدرجة أن سائقى التاكسى
ما إن يسمعوا اسم المكان حتى يطلقوا سباباً بالأم ويجروا من أمامى وكأنهم
رأوا شيطاناً مريداً.
الدين هو مكون أساسى لهذه الأماكن؛ يعنى فى «الشرابية»، هناك تعاطف مع أى متدين، أو ملتحٍ، يناديه الناس بـ(الشيخ فلان)، ويقدمونه ليقف إماماً فى الصلاة، حتى لو كانت تلاوته خاطئة الأحكام وغير سليمة النطق والتشكيل، أما فى «عزبة النخل» فالواقع يختلف، حيث كان يوجد تحت بيتنا القديم مكتبة مسيحية نستيقظ على صوت ترانيمها فى الصباح الباكر، ثم بعد قليل نجد الأمر مستفزاً حين يعلو صوت «الطبلاوى» بالقرآن من (المقلة) الموجودة بجانبها ليبدو الأمر وكأنه مبارزة فى الصوت بين الاثنين أدفع ثمنها دائماً بنوم متقطع، أو بحديث غاضب مع أصحاب المكتبة و«المقلة»، ينتهى على وعد من الاثنين بأن يخفضا الصوت، لكنهما يعودان لنفس الأمر فى اليوم التالى!! بعد عدة سنوات عرفت الثورة طريقها إلى الجميع، فأصبح الكل يتحدث فى السياسة، وعرف الموت مكاناً للإيجار فى العديد من البيوت عبر أحداث متتالية، وشاءت ظروف عملى أن أنتقل إلى حى هادئ كنت أظنه بعيداً عن كل هذا الصخب، لكن إذ به مع الظروف والأحداث يعرف الصخب هو الآخر، فإذ بالعديد من الحوائط بعد 30 يونيو فى شارعنا تمتلئ بعبارات التهديد والوعيد. «الموت للسيسى الخائن».. «cc قاتل».. «نهاية العسكر الجمعة القادمة»!!.. بل وصل الأمر فى أحد الحوائط إلى أن كتب أحدهم عليه نصاً: «معركة فاصلة بين الكفر والإيمان.. انزل لنصرة دينك»!!!! ثم حدث الفض، وحدث الحظر، واشتعلت الأمور أكثر، وفى كل يوم تخرج تظاهرة قليلة العدد فى وقت الحظر. لزمت البيت كثيراً فى تلك الأيام، وحين قررت النزول وجدت العديد من المشاهد، كان أبرزها صورة لشاب فى العشرينات بالعمارة المجاورة مكتوب أسفلها: «فى شارعنا شهيد.. اسمه حسن عيد»، وحين سألت صديقى وجارى (رضا فايز) أخبرنى أنه صاحب فكرة الصورة، وأن «حسن» ابن «عم عيد» صاحب المكتبة (قُتل) فى الفض!!!
بالنسبة لـ«رضا» وأهل الحى، فإن (حسن) ليس إخوانياً، بل هو جارنا المحترم ابن صاحب المكتبة، الذى (كان) يُحفظ بناته القرآن فى المسجد، وشعوره هو شعور (طبيعى) بالنسبة لإنسان محترم لم يرَ منه أى شىء. هذا هو جوهر الموضوع.. الناس التى ترفض أصلاً تعاطفك مع من مات أو قُتل فى الفض. الناس التى تصرخ: «يستاهلوا»، لا يفهمون أن كثيراً ممن (قُتلوا) فى الفض، أو حتى معتقلين الآن أبرياء فعلاً، وغير منتمين للإخوان، وحتى لو خالفتهم فى وجهة النظر، فهم (بشر) لديهم أسر وجيران، وناس تعرفهم جيداً لدرجة لا تجعلهم يصدقون الهراء الذى ينزل علينا من حنفيات الإعلام لتصوير الأمر وكأن الجميع إخوان كانوا يحملون الأسلحة. الناس التى نزلت فى «الشرابية» الأيام السابقة فى مسيرات لهم أصدقاء وإخوة ومعارف قُتلوا. وخطورة ما يحدث أنك تستكثر حتى علينا التعاطف مع بعض الحالات بفاشية متناهية، وإنسانية منعدمة. نعم، هناك تجاوز، وهناك استغلال سياسى من الإخوان لما يحدث، لكن فى النهاية هناك أبرياء قُتلوا ولن يأتى أحد بحقهم. الأمر الآن ليس فى الإخوان، لكنه فى محاولة احتواء أبرياء أصبحتَ تستعديهم، وترفض حتى أن يحزنوا لمصابهم لمجرد أنك عديم الشعور والتفكير، ولأن هناك ماكينة كراهية غبية ستأكل هذا البلد يوماً ما لو سارت الأمور كما هى عليه الآن. رحم الله «حسن»، وجنودنا فى سيناء، وكل الأبرياء. ابحثوا عن إنسانيتكم الضائعة، واتركوا السياسة وقذارتها لأهل السياسة والقذارة.
الدين هو مكون أساسى لهذه الأماكن؛ يعنى فى «الشرابية»، هناك تعاطف مع أى متدين، أو ملتحٍ، يناديه الناس بـ(الشيخ فلان)، ويقدمونه ليقف إماماً فى الصلاة، حتى لو كانت تلاوته خاطئة الأحكام وغير سليمة النطق والتشكيل، أما فى «عزبة النخل» فالواقع يختلف، حيث كان يوجد تحت بيتنا القديم مكتبة مسيحية نستيقظ على صوت ترانيمها فى الصباح الباكر، ثم بعد قليل نجد الأمر مستفزاً حين يعلو صوت «الطبلاوى» بالقرآن من (المقلة) الموجودة بجانبها ليبدو الأمر وكأنه مبارزة فى الصوت بين الاثنين أدفع ثمنها دائماً بنوم متقطع، أو بحديث غاضب مع أصحاب المكتبة و«المقلة»، ينتهى على وعد من الاثنين بأن يخفضا الصوت، لكنهما يعودان لنفس الأمر فى اليوم التالى!! بعد عدة سنوات عرفت الثورة طريقها إلى الجميع، فأصبح الكل يتحدث فى السياسة، وعرف الموت مكاناً للإيجار فى العديد من البيوت عبر أحداث متتالية، وشاءت ظروف عملى أن أنتقل إلى حى هادئ كنت أظنه بعيداً عن كل هذا الصخب، لكن إذ به مع الظروف والأحداث يعرف الصخب هو الآخر، فإذ بالعديد من الحوائط بعد 30 يونيو فى شارعنا تمتلئ بعبارات التهديد والوعيد. «الموت للسيسى الخائن».. «cc قاتل».. «نهاية العسكر الجمعة القادمة»!!.. بل وصل الأمر فى أحد الحوائط إلى أن كتب أحدهم عليه نصاً: «معركة فاصلة بين الكفر والإيمان.. انزل لنصرة دينك»!!!! ثم حدث الفض، وحدث الحظر، واشتعلت الأمور أكثر، وفى كل يوم تخرج تظاهرة قليلة العدد فى وقت الحظر. لزمت البيت كثيراً فى تلك الأيام، وحين قررت النزول وجدت العديد من المشاهد، كان أبرزها صورة لشاب فى العشرينات بالعمارة المجاورة مكتوب أسفلها: «فى شارعنا شهيد.. اسمه حسن عيد»، وحين سألت صديقى وجارى (رضا فايز) أخبرنى أنه صاحب فكرة الصورة، وأن «حسن» ابن «عم عيد» صاحب المكتبة (قُتل) فى الفض!!!
بالنسبة لـ«رضا» وأهل الحى، فإن (حسن) ليس إخوانياً، بل هو جارنا المحترم ابن صاحب المكتبة، الذى (كان) يُحفظ بناته القرآن فى المسجد، وشعوره هو شعور (طبيعى) بالنسبة لإنسان محترم لم يرَ منه أى شىء. هذا هو جوهر الموضوع.. الناس التى ترفض أصلاً تعاطفك مع من مات أو قُتل فى الفض. الناس التى تصرخ: «يستاهلوا»، لا يفهمون أن كثيراً ممن (قُتلوا) فى الفض، أو حتى معتقلين الآن أبرياء فعلاً، وغير منتمين للإخوان، وحتى لو خالفتهم فى وجهة النظر، فهم (بشر) لديهم أسر وجيران، وناس تعرفهم جيداً لدرجة لا تجعلهم يصدقون الهراء الذى ينزل علينا من حنفيات الإعلام لتصوير الأمر وكأن الجميع إخوان كانوا يحملون الأسلحة. الناس التى نزلت فى «الشرابية» الأيام السابقة فى مسيرات لهم أصدقاء وإخوة ومعارف قُتلوا. وخطورة ما يحدث أنك تستكثر حتى علينا التعاطف مع بعض الحالات بفاشية متناهية، وإنسانية منعدمة. نعم، هناك تجاوز، وهناك استغلال سياسى من الإخوان لما يحدث، لكن فى النهاية هناك أبرياء قُتلوا ولن يأتى أحد بحقهم. الأمر الآن ليس فى الإخوان، لكنه فى محاولة احتواء أبرياء أصبحتَ تستعديهم، وترفض حتى أن يحزنوا لمصابهم لمجرد أنك عديم الشعور والتفكير، ولأن هناك ماكينة كراهية غبية ستأكل هذا البلد يوماً ما لو سارت الأمور كما هى عليه الآن. رحم الله «حسن»، وجنودنا فى سيناء، وكل الأبرياء. ابحثوا عن إنسانيتكم الضائعة، واتركوا السياسة وقذارتها لأهل السياسة والقذارة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعلقك يزيدنا ابداع