ما بعد فض اعتصام رابعة والنهضة

الجروح الغائرة التى صنعها مرسى وجماعته وأهله وعشيرته فى النسيج الوطنى المصرى، هى أصعب مشكلة فى مرحلة ما بعد فض الاعتصام، فقد كانت سنة واحدة تحت حكم الإخوان كفيلة بأن تشق المصريين نصفين، وتفرق شملهم وتضرب وحدتهم، وتجعلهم يتربصون ببعضهم كالأعداء الذين يخوضون حروب الكراهية، ولم ينجح فى ذلك طوال تاريخ مصر مستعمر أو غاز أو عدو لدود، لا المماليك ولا الانكشارية ولا الحملة الفرنسية ولا الاستعمار البريطانى استطاعوا أن يمسوا وحدة الأمة فى مختلف المحن والأزمات، غير أن الإخوان نجحوا فى ذلك، أشعلوا الفتن بين المسلمين والمسلمين وهذه جديدة على مصر، وأيقظوا البؤر النائمة فى ملف الأقباط، وأضافوا إلى مشاكلنا الكثيرة مشكلة أخرى فى الأخطر والأصعب لإعادة اللحمة ولم الشمل واستنهاض روح التسامح والود والرحمة التى كانت تميز المصريين وتصفهم بالشعب الطيب.
من ينصت للغة الكراهية فوق منصة رابعة العدوية قد يتخيل أن جمهور الاعتصام يتهيأ لدخول حرب دينية مقدسة ضد المغول الأشرار القتلة السفاحين، دفاعا عن الإسلام والمسلمين والشريعة والشرعية وإنقاذا للبشرية من الهلاك الذى ينتظرها، وأن الله سبحانه وتعالى فوض هؤلاء المجاهدين المعتصمين فى الإشارة بحماية دينه وسنة نبيه ومقدسات المسلمين، و«خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود»، واستطاع الإخوان تحويل أطماعهم السياسية للاستحواذ على الحكم إلى حرب دينية مقدسة بين العلمانيين الملحدين المرتدين والمؤمنين الصامدين الصابرين، زاعمين أن النصر بات قريبا ليعز الله الإسلام والمسلمين بفتح مبين، وغير ذلك من مفردات الخطاب الدينى المستدعاة من عصر الرسالة والخلفاء الراشدين والفتوحات الإسلامية، بما يوحى بأنهم يتهيأون لإعادة فتح مصر التى تستعصى عليهم بعض الشىء وتنصيب خليفة المسلمين.
إنها المشكلة الأخطر والأصعب فى مرحلة ما بعد فض الاعتصام عندما يعود هؤلاء المخطوفون ذهنيا إلى مدنهم وقراهم حاملين رسائل المنصة وفتاوى التطرف والتكفير والإلحاد، ومحاولين تطبيق نموذج رابعة فى الاحتشاد والاعتصام والخروج على القانون، فيصبحون مثل القنابل الموقوتة بأفكار دينية خاطئة ضد من يخالفهم الرأى وتستبيح دماءهم وتنشر تيارات الفتنة والتشدد والتطرف والعنف والخطف والتأديب والتعذيب والقتل، على غرار ما حدث فى مصر فى الثمانينات، عندما تحولت جامعات الصعيد إلى صوب للتطرف والعنف، وخرج منها نجوم الإرهاب الذين روعوا البلاد بجرائمهم، ثم أفرج عنهم مرسى وأطلق سراحهم من السجون وأعادهم للمسرح السياسى، ولكنهم انحازوا لتجارب الماضى المريرة، متصورين أن الظروف أصبحت الآن مهيأة لتحقيق ما فشلوا فيه، واختاروا اللجوء إلى منصات رابعة والنهضة.
هذه المقدمات قد توحى بأن مصر مقبلة فى مرحلة ما بعد فض الاعتصام على سنوات عجاف، يستيقظ فيها شياطين الإرهاب، وتكرار حوادث العنف والقتل وسفك الدماء وترويع الآمنين ونشر الخوف والذعر، وهذا ما تؤكده رسائل اعتصامات رابعة والنهضة المليئة بالتهديد والوعيد والتى ترفض حتى الآن المبادرات والوساطات السلمية، وتصر على العودة بالأوضاع إلى ما قبل 30 يونيو رغم أنها تدرك استحالة ذلك، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن بقاء المعتصمين فى الشوارع سوف ينفض عاجلاً أو آجلاً، وأن تكرار تجربة رابعة فى ميادين ومناطق أخرى محكوم عليها بالفشل، لأنها تصيب البلاد بالارتباك والشلل وتصرف الجهود عن القضية الأساسية وهى استعادة الاقتصاد المصرى عافيته، ومواجهة المشاكل الحياتية الملحة وتوفير فرص العمل ولقمة العيش، وكل ذلك مؤجل لحين فض الاعتصامات وعودة الأمن والهدوء والاستقرار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعلقك يزيدنا ابداع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting