تاريخ الأخوان الأسود - حسن البنا يتلقى اموال من الالمان

ربما كانت جماعة الإخوان أكثر الجماعات السياسية المصرية إثارة للهواجس وللقيل والقال حول علاقاتها الخارجية‏..‏ ولعل ذلك يرجع إلي الضجيج المصاحب لهذه العلاقات والساعي لتحقيق مصالح ذاتية للجماعة‏,‏ أو لأنها وظفت بعض المواقف والكتابات لتبرير ما لا يمكن تبريره كسبيل للتغطية علي أهداف هذه العلاقات‏.‏
والحقيقة أن الجماعة كانت ذات علاقات متشعبة‏,‏ وكانت تسارع باستثمارها فلا تلبث أن تفقد كل شيء بسبب التسرع والمغامرة‏.‏ كمثال علي ذلك تلك العلاقة الوثيقة التي قامت بين الأستاذ حسن البنا والإمام حميد الدين إمام اليمن‏,‏ والتي أثمرت عن استثمارات اقتصادية مربحة حققها رجل الأعمال محمد سالم‏(‏ زوج السيدة زينب الغزالي‏)‏ ونفوذ فكري وسياسي واسع‏..‏ ثم انهار ذلك كله بسبب تدبير البنا ورجاله وبالاتفاق مع بعض رجالهم باليمن لانقلاب فاشل لم ينته فقط بتدمير كل الحصاد الإخواني هناك‏,‏ وإنما انتهي بإثارة هواجس الملك فاروق ونظامه وغيره من الحكام‏..‏ فالذي يدبر انقلابا في اليمن يمكنه أن يفعلها هنا أو هناك‏.‏
فإذا عدنا إلي الوراء عند حافة بوادر اشتعال الحرب العالمية الثانية‏,‏ حيث كان القصر الملكي يغازل الألمان سرا ورجاله يغازلونهم علنا‏,‏ بل ويغازلون الفكر الفاشي والنازي أيضا‏.‏ الأمر الذي دفع كاتبا كعباس العقاد إلي الكتابة مهاجما هؤلاء ومتهما إياهم وعلي رأسهم جماعة الإخوان بالعمالة للنظم الفاشية فيقول في مصر دعوة دكتاتورية ليس في ذلك جدال‏.‏ والذين يقومون بهذه الدعوة ويقبضون المال من أصحابها هم الذين يشنون الغارة علي الدول الديمقراطية ويثيرون الشعور باسم الدين دفاعا عن سوريا وفلسطين‏,‏ بينما يسكتون علي غزو الألمان والطليان لألبانيا وبرقة وطرابلس والصومال‏,‏ ويسير بعدما تقدم أن نعرف من أين تتلقي هذه الجماعات المتدينة ازوادها ونفقاتها‏.‏
ثم يختتم قائلا‏:‏ إن سيادة الدكتاتورية لن تنتهي إلي سيادة الإسلام ولا إلي سيادة المسلمين وإنما تنتهي إلي ضياع المسلمين‏(‏ الدستور‏1939/7/27),‏ وربما كانت كلمات العقاد قاسية‏,‏ خاصة تلك التي لم نوردها متعمدين حفاظا علي الكتابة من أن تتحول إلي اتهامات قاسية كتلك التي تتحدث عن جاسوسية وما إلي ذلك‏,‏ لكن المثير للدهشة وما هو أكثر من الدهشة هو أن الأستاذ البنا استخدم الدين الإسلامي وادعاءات غير معقولة وحتي غير عاقلة في تبرير علاقته بألمانيا وإيطاليا ويكتب البنا نفسه مقالا غاية في الغرابة نشره في مجلة النذير لسان حال الجماعة‏,‏ زف فيه إلي المصريين والمسلمين جميعا نبأ سعيدا ذكرت بعض الصحف أن إيطاليا وألمانيا تفكران في اعتناق الإسلام‏,‏ وقررت إيطاليا تدريس اللغة العربية في مدارسها الثانوية بصفة رسمية وإجبارية‏,‏ ومن قبل سمعنا أن اليابان تفكر في الإسلام‏.‏
ثم يتحدث عن أن هذه الدول الثلاث قد وضعت في برنامجها التقرب التام من العالم الإسلامي‏,‏ والتودد إلي العرب والمسلمين‏,‏ وقدمت لذلك مقدمات كبناء المساجد‏,‏ ودعوة الشباب العربي إلي المدن والعواصم عندهم‏..‏ ان هذه الدول إنما تعجبها القوة والكرامة والفتوة والسيادة‏,‏ وأن هذه هي شعائر الإسلام‏,‏ ويكمل الأستاذ البنا لقد كتب الإخوان المسلمون إلي ملوك المسلمين وأمرائهم وعلمائهم وحكامهم بوجوب التبليغ لهذه الأمم باسم الإسلام‏.‏
ولمزيد من إضفاء مسحة من الجدية علي هذا الأمر‏,‏ يوجه الأستاذ البنا رسالة مفتوحة علي صفحات ذات العدد إلي شيخ الأزهر يدعوه فيها إلي تبليغ ألمانيا وإيطاليا واليابان بالإسلام مع إمدادهم بالعلماء لشرح مفهوم الإسلام‏(‏ النذير‏4‏ ذي القعدة‏1357‏ ـ العدد‏30).‏
ولمزيد من تعزيز فكرة الموالاة للمحور الديكتاتوري ألمانيا ـ إيطاليا ـ اليابان التي أعجب بها الأستاذ البنا تنشر جماعة الإخوان شائعة مثيرة للسخرية‏,‏ وهي أن هتلر شخصيا قد أشهر إسلامه وقام بالحج سرا وأسمي نفسه الحاج محمد هتلر‏.‏
مثل هذه المبالغات الفجة أدت إلي لفت الأنظار إلي هذه العلاقة الخاصة ففي لقاء بين السير والترسمارت المستشار الشرفي للسفارة البريطانية مع وكيل وزارة الداخلية المصرية حسن باشا رفعت أفاد وكيل الوزارة بأن معلوماته تقول إن الأستاذ البنا قد تلقي إعانات مالية من الإيطاليين والألمان والقصر‏(‏ ينقل الأستاذ محسن محمد هذه الرواية في كتابه من قتل حسن البنا ص‏88‏ وقد نقل هذه المعلومات وغيرها عن وثائق أرشيف الخارجية البريطانية‏).‏ وما كان لنا أن نسوق اتهاما غليظا كهذا نقلا عن وشاية من أحد رجال الأمن لممثل السفارة البريطانية‏,‏ لولا أن الأرشيف البريطاني يحتوي علي وثائق أخري تصب في ذات الاتجاه‏.‏
فهناك برقيتان من السفير البريطاني إلي وزارة خارجيته تحتويان علي ترجمة انجليزية لوثائق بالألمانية عثر عليها عند تفتيش مسكن مدير مكتب الدعاية الألماني بالقاهرة‏.‏
وتنتهي الحرب ويهزم النازي‏,‏ ويطل علي العالم شبح النفوذ الأمريكي ولا يضيع الأستاذ البنا وقتا‏..‏ ونقرأ في الوثائق الأمريكية‏..‏ فيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية يكتب في برقيته يوم‏29‏ أغسطس‏1947‏ إلي وزارة الخارجية التقيت حسن البنا وأشرت إلي المظاهرات الحاشدة التي وقعت هذه الأيام‏.‏ فرد البنا لن تكون هناك اضطرابات جديدة‏,‏ فإن بوسعي بدءها وإنهاءها‏..‏ ويرد ايرلاند‏:‏ من المشكوك فيه إنهاء الفتنة بعد اشعالها‏.‏
لكن البنا يعرف كيف يغري الأمريكيين فيطلب مقابلة ثانية وتتم في بيت إيرلاند ويحضر البنا ومعه محمد الحلوجي ومحمود عساف مدير إعلانات صحيفة الإخوان وأشار البنا عبر المترجم إلي خطر الشيوعية في الشرق الأوسط وأن الإخوان يحاربونها‏,‏ ويضطر أعضاء في الجماعة أن يتركوا عملهم الأصلي لدخول الخلايا الشيوعية للحصول علي معلومات‏,‏ وعندما يفعلون ذلك‏,‏ فإنهم يتركون وظائفهم وبذلك يفقدون مرتباتهم‏,‏ وإذا أمكن تعيينهم علي أساس أنهم محققون وباحثون‏,‏ فإنه يمكن حل المشكلة‏..‏ لكن الأمريكان لم يبتلعوا الطعم‏..‏ ورفضوا تقديم أموال‏.‏
..‏ ولا تتوقف المحاولات‏.‏
فعندما تولي المستشار حسن الهضيبي موقع المرشد العام حاول ذات الشيء‏..‏ وأقام علاقة مباشرة مع الأمريكيين عام‏1953‏ عن طريق أحد أصهاره ولنرمز له بالحرف‏(‏ م‏)‏ وإن كان الاسم قد ورد كاملا في الوثائق الأمريكية وفيها أن‏(‏ م‏)‏ حمل رسائل من المرشد تحاول إيهام الأمريكيين بأن للإخوان قوة كبيرة في الجيش‏,‏ خاصة في الرتب الدنيا‏..‏ وانه من السهل الإطاحة بعبد الناصر وعبدالحكيم عامر عندما تري الحركة أن الوقت مناسب‏..‏ ومرة أخري لم تبتلع أمريكا الطعم فالتعليقات في الوثائق تؤكد أن الجماعة تبالغ في قوتها كثيرا‏.‏
وتمضي مياه كثيرة في النهر‏,‏ وتتوالي أحاديث كثيرة عن علاقات وثيقة‏..‏ لكننا لا نلجأ إلي الأحاديث غير الموثقة‏,‏ والوثائق لا يكشف عنها إلا بعد مدد تحددها كل دولة‏..‏ ولهذا سيأتي مؤرخون آخرون ليكشفوا مدي صحة هذه الأحاديث‏.‏

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعلقك يزيدنا ابداع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting