بعد ثورة يونيو : خارطة العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية



لا تزال إسرائيل مرتبكة في التعامل مع الحالة المصرية بعد 30 يونيو، ولا يزال ارتباكها منعكسًا علي أجهزة المعلومات، ووزارة الخارجية، ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ذاته، فإذا كانت إسرائيل قد فوجئت بثورة 25 يناير 2011، فلأنها كانت تملك تقديرًا استراتيجيًا بأن الرئيس الأسبق حسني مبارك يمسك بتلابيب الحكم، ولا يمكن أن يرحل إلا بالموت، برغم سيل التقديرات الاستخباراتية بأن الرجل وقتها عزف فعليًا عن المشاركة في نظام الحكم، وأن نجله يدير الدولة، ولكن في 30 يونيو كان الأمر مختلف تمامًا، خاصة أن هناك تصور في أجهزة المعلومات قام علي أن التظاهرات ستصل بالملايين في بعض المحافظات؛ بما في ذلك القاهرة والإسكندرية وعواصم المدن الكبرى، وأن الأمور ستخرج عن السيطرة الأمنية والاستراتيجية، وأن الجيش لن يقف في مواجهة الشعب، وسيبادر بقرار الحسم، وعزل الرئيس، أو إنهاء دوره سياسيا ودستوريا، وأن جهاز الأمن الداخلي لن يقوم بالخروج في المشهد، ولن يشارك في الحدث ذاته، مكتفيًا بالوجود في معسكرات الأمن المركزي، وأن الجيش المصري سيضطر في حال اختلال الأمور بالسيطرة علي الوضع الأمني، وسيقوم اتخاذ إجراءات احترازية ظهرت من الأمر الذي أوضحه حجم الانتشار الأمني في طول البلاد وعرضها قبل الحدث، وأن المعارضة المنقسمة لن تكون أبدا البديل المتاح للإخوان المسلمين، خاصة أنها معارضة مشتتة، وليس لديها ما تقدمه للمواطن، وهو ما ثبت طوال 12 شهرًا من حكم الإخوان.
إسرائيل تتأهب
قبل اندلاع الأحداث قامت إسرائيل بسلسة من الإجراءات علي الأرض علي طول الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، وتمثل ذلك فيما يلي :
•    القيام بطلعات جو مكثفة علي طول الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، من خلال طائرات استطلاع ترصد ما يجري في سيناء.
•   تفعيل دور وحدات المتابعة والملاحقة علي طول الحدود المشتركة من خلال وحدات ريمون وكديمون، والتفتيش علي بعض مواقع مختارة.
•  نقل وحدات نخبوية علي طول الحدود المصرية ـ الإسرائيلية للكشف عن أية عمليات هجوم مفاجئ علي إسرائيل.
•  التنسيق مع القوات المصرية لمتابعة أية عمليات غير طبيعية علي الحدود، من خلال تبادل المعلومات والاستخبارات، بالإضافة لتفعيل منظومة القبة الحديدية علي طول الحدود خاصة في إيلات، ومناطق الجنوب.
 وهكذا تابعت إسرائيل الحدث المباشر، وقامت بالاستعداد له من خلال إجراءات حاسمة ومباشرة، في إطار الحفاظ علي أمنها القومي، وتحسبًا لتصاعد مد عمليات العنف المباشر في سيناء، وأثر ذلك علي الأمن القومي الإسرائيلي، خاصة أن إسرائيل باشرت أولوياتها الأمنية للتعامل مع الحالة المصرية علي النحو التالي:

المسار الأول

الجبهة المصرية ـ الإسرائيلية المباشرة في سيناء، كان التصور الإسرائيلي حول احتمال تقدم مصر بطلبات أمنية متوقعة مما يقتضي التعامل معها، إما أن تطلب مصر تجميد "اتفاقية السلام" لإدخال قوات مصرية بأعداد غير مسبوقة، واستخدام أسلحة ثقيلة، وهو ما جري بالفعل، ووافقت عليه إسرائيل لاحقًا، وإما أن تقوم إسرائيل برفض الطلب المصري حال تقديمه إليها. ورأت مصادر وزارة الدفاع الإسرائيلية  أنه في إطار "اتفاقية السلام"، فإنه يمكن التوافق، وقبول الأمر، لأنه لا يوجد بديل استراتيجي جاهز يتعامل معه الجانبان، المصري والإسرائيلي، خاصة أن حديث مصر لن ينتهي عند ضرورة إعادة النظر في البروتوكول الأمني والاستراتيجي بين البلدين، وقدرت الحكومة الإسرائيلية أن الأمر يحتاج لمفاوضات طويلة، قد تبقي معاهدة السلام علي ما هو عليه، مع صياغة اتفاق أمني بصورة جديدة يراعي متطلبات كل طرف، بما في ذلك إسرائيل، وبدعم أمريكي .

 المسار الثاني

الجبهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، حيث سعيت إسرائيل إلي كبح جماح التنظيمات الفلسطينية بما في ذلك حماس ذاتها، وقدرت الاستخبارات الإسرائيلية بأنه في حال اندلاع  أية أعمال مواجهات علي الحدود المصرية، فإن علي الحكومة الإسرائيلية تبني سياسات مباشرة، وفي هذا فإن إسرائيل أعدت عدتها لمواجهة كل الخيارات، بما فيها  مرحلة ما بعد سقوط حكم الإخوان، وما يستتبعه فعليًا التعامل مع جبهة جديدة تمثل خطورة حقيقية بعد سنوات من التهدئة، بصرف النظر عما جري في حربي غزة، الأولى والثانية؛ حيث كان قيام جماعة الإخوان بضبط أداء التنظيمات الفلسطينية، وضمان السيطرة علي الأوضاع إلي حين، مقابل تحقيق التهدئة والهدنة غير المبرمة، أما الآن فإن الأمر اختلف شكلاً ومضمونًا بعد سقوط حكم الإخوان، حيث ثارت مشكلات وتساؤلات من النوع التالي:
•    من يضبط حركة التنظيمات الفلسطينية، وليس حماس فحسب، وإنما سائر التنظيمات الأخرى التي ضمنتها جماعة الإخوان من قبل، وكبحت جماحها منذ اتفاق التهدئة ؟
•    احتمال تتالي سقوط صواريخ شاردة غير معروف هويتها وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى خلل هيكلي في ميزان التوازن القائم.
•    مواجهة حكومة نتنياهو معارضات حقيقية لعدم الرد علي أي هجوم  متوقع علي إسرائيل، برغم الإجراءات الأمنية والاستراتيجية التي كلفت  إسرائيل الكثير، سواء في نصب صواريخ بطاريات القبة الحديدية، أو التحول للنظام الاستراتيجي الجديد، وهو العصا السحرية، بالإضافة إلي سلسلة المناورات المكلفة 7 والتي تجري كل عام .
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني جانتس، قد قال في محاضرة ألقاها في مؤتمر اتحاد الصناعيين في تل أبيب مؤخرًا، إنه ليس مسروراً من خفض موازنة الدفاع، لكن لا يمكن تجاهل ما يحدث  حول إسرائيل، في إشارة إلى التطورات الداخلية في مصر وسورية ولبنان، التي تحول دون تأزيم الأوضاع الأمنية على حدودها مع إسرائيل. وأضاف أن الجيش سيضطر إلى تنفيذ هذه التغييرات بسرعة مستغلاً حقيقة أن التهديد بهجوم على إسرائيل في الفترة القريبة ليس عالياً. وأضاف أنه لا يذكر تغييرات كهذه في الجيش خلال السنوات الـ 12 التي كان أثنائها عضواً في هيئة الأركان العامة، لذا ينبغي التأكد من ألا تسقط إسرائيل في العامين المقبلين، فالأمور ستكون صعبة، لكن الجيش سيعرف كيف يتجاوزها من خلال تنفيذ إجراءات حكيمة والتحلي بالشجاعة والتحرك إلى أمام مع الأدوات ذات الشأن.

 مستقبل الملف الفلسطيني  بعد سقوط الإخوان

استمر الانقسام في الداخل الفلسطيني بين فتح وحماس إزاء ما حدث في مصر، فبينما باركت حركة فتح في الضفة الغربية هذا التغيير، أدانته حركة حماس في قطاع غزة واعتبرته انقلابًا علي الشرعية، وأعلنت دعمها لسلطة الرئيس المعزول محمد مرسي.
ويمكن تفهم الانقسام بين فتح و"حماس" باعتبار الأخيرة ـ حسب ميثاقها ـ أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمين، لذلك كان هذا الربط بين ما جري في مصر ووضع "حماس" السياسي أمرًا حتمياً، لاسيما أن مصر هي  المنفذ الأساسي التي  تطل منه "حماس" علي الخارج .
وقد طرحت مصادر مصرية مخاوفها من أن تتورط "حماس" في ما يجري في مصر من خلال التحريض عبر وسائل الإعلام الخاصة بها، واتهم العديد من الأطراف  السياسية المعارضة للإخوان المسلمين حركة حماس بالتورط في أحداث العنف التي أدت إلى قتل متظاهرين مصريين ضد حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
 ويعتبر العديد من المراقبين أن التحريض الإعلامي المصري ضد "حماس" طال الفلسطينيين بشكل عام، خاصة مع اتهامها بإرسال مقاتليها إلى سيناء، ومحاولة إذكاء الفتنة واستخدام العنف المنظم في مصر. كما يشار أيضًا لمشاركة  قيادات من حركة "حماس" في اجتماع التنظيم الدولي للجماعة في اسطنبول في 12 يوليو 2013، ويمثل ذلك في مجمله مساسًا بمصلحة القضية الفلسطينية، وهو ما حذرت منه السلطة الفلسطينية علي لسان الرئيس محمود عباس.
 ولعل المقاربات السابقة بين ضعف "حماس" نتيجة خسارتها لحلفائها الإقليميين، ومساندتها للإخوان المسلمين، وخصوصًا في مصر، يعيد لذهن الشارع الفلسطيني كيف ساند الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1990 الرئيس العراقي صدام حسين، عندما غزا العراق، ليكبّد ذلك الفلسطينيين خسائر فادحة في علاقاتهم مع دول الخليج العربي.
  تجدر الإشارة أن حركة "حماس" قد رهنت المشروع الوطني طوال السنوات الماضية وفق حسابات وأجندات حزبية، وكانت تراهن دائمًا على الأنظمة الخارجية ومحاولة الانقلاب على الشرعية، وعادة ما اعتبر ارتباط حركة حماس بعلاقات وثيقة مع "حزب الله"، وسوريا، وإيران، وقطر في مراحل سابقة، أمرًا مؤرقًا للسلطة الوطنية الفلسطينية، التي ترى في دعم هذه القوى لحركة "حماس" عوامل تزيد من قوة الحركة ، سواء عبر الدعم بالسلاح أو بالمال الذي يضمن استمراريتها.
  ورغم ذلك يراهن البعض علي أن "حماس" التي اختارت المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، ستعود لاستشعار الخصوصية الفلسطينية مرة ثانية، وذلك عبر التقليل من اعتمادها علي الإخوان المسلمين دوليًا، واتباعها سياسة معتدلة تجاه المصالحة، ودخول الاستحقاقات المؤجلة حيز التنفيذ علي أساس أن الأجندة الوطنية الفلسطينية لحماس هي الأفضل حاليًا من أي وقت مضى، ففي الوقت الحالي بات من الملح جدا أن تعود "حماس" إلى أجندتها الوطنية الأصلية. وتجدر الإشارة إلى أن "حماس" قد بدأت استئناف اتصالاتها مع إيران - لحظة إعداد هذه الورقة - بما يعني بحثها عن حلفاء جدد عوضًا عن مصر.
ومع وجود المعطيات الحالية على الأرض من إغلاق لمعبر رفح، وشعور الحركة بأنها ستكون معزولة، قد تستطيع "حماس" إقناع التيارات المتشددة فيها بالموافقة على إنهاء الانقسام والعودة إلى الصف الفلسطيني، وتنفيذ اتفاقياتها مع فتح، حيث لا يوجد أمام حركة "حماس" سوي خيارين، أولهما افتعال حرب مع  إسرائيل  لكسب التأييد الشعبي في الشارع الفلسطيني، حيث تعاني حماس من فقدان شعبيتها نتيجة مواقفها من الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة العربية، أما الخيار الثاني فهو توجه حماس نحو تكتيك المصالحة مع حركة فتح للخروج من أزمتها، وبالتالي فإن توجه حماس نحو المصالحة لن يكون منهجياً بل لهدف إخراج الحركة من أزمتها الخانقة التي تعيشها في هذا التوقيت.

استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية

  علي جانب آخر، كانت المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية لبحث مستقبل التسوية، أو بالأحرى مستقبل الفلسطينيين، قد بدأت برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، تمهيدًا لمحادثات مغلقة يفترض أن تقود إلى تنازلات فلسطينية جديدة، من خلال ما يسمى تعديل حدود العام 1967، التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية، وباركتها لجنة "مبادرة السلام العربية"، في لحظة تشتت عربي متزايد، وانقسام فلسطيني.
وبدأت اللقاءات الرسمية بين الطرفين بعد إعلان إسرائيل قرار الإفراج عن 104 معتقلين فلسطينيين، ولكن على أربع مراحل مرتبطة بتطور المفاوضات. ما يعني أن
الطاقمين الإسرائيلي والفلسطيني ينطلقان من زوايا متناقضة في المفاوضات. فالفلسطينيون يريدون حدودًا وخرائط، وإسرائيل تتحدث عن ترتيبات أمنية، وخصوصاً في غور الأردن، ومن الجائز أن هاتين المسألتين ستحتلان الأولوية عن القدس واللاجئين على الأقل في مراحل المفاوضات الأولى، وربما على قضايا الحدود والأمن ستنهار، أو تتقدم المفاوضات قبل القضايا الأخرى.

الرهان الإسرائيلي علي مستقبل العلاقات مع مصر

 إن تأكيد إسرائيل أنها تثق في أن النظام البديل للإخوان، وهو النظام العسكري، أو نظام حكم علماني، قد يؤدي نفس المهمة، وإن كان بصورة أفضل، وأن الذي يدير منظومة العلاقات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، هي المؤسسة العسكرية، وليس أي جهاز آخر وفي حال استمرار الأوضاع علي ما هي عليه، وعدم تحقيق مسار العملية السياسية، فإن الجيش المصري نفسه هو الذي يدير العلاقات، وبالتالي لا توجد مخاوف كاملة علي إدارة مشهد العلاقات الأمنية أو الاستخباراتية بين البلدين، وإذا كانت إسرائيل قد تحدثت عن أن فترة الرئيس المعزول محمد مرسي هي أزهي علاقات الأمن والاستخبارات، وأن مبارك كان يوفر لإسرائيل متطلباتها الاستراتيجية، فإن العلاقات المستقبلية لن يخشي عليها في ظل سيطرة الجيش، أو الاستخبارات علي منظومة العلاقات، كما أنهم يؤكدون علي أن العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية قد تواجه بإعصار حقيقي في حال استتاب الأوضاع، وتولي نظام علماني مدني الحكم، لأنه سيسعي لتحقيق الديمقراطية في مصر؛ مما سيلغي فعليًا خرافة الديمقراطية الإسرائيلية في واحة من أنظمة أوتوقراطية فاشلة، وفي كل الأحوال فإن إسرائيل تعاملت مع ما يجري في مصر منذ 30 يونيو بمنطق مصالحها الأمنية والاستراتيجية، وفي ظل التزام مصر بمعاهدة السلام .

استراتيجية إسرائيل واستشراف المستقبل

سيظل السؤال الاستراتيجي: ماذا ستفعل إسرائيل إزاء ما يجري علي طول حدودها، خاصة أن المناخ العام المجاور لم يعمل لمصالح إسرائيل، فها هي سوريا  تمثل تهديدًا مستترًا، وغزة ملتزمة بتهدئة مؤقتة أبرمها الإخوان الذين سقطوا، ومصر التي أصبحت في حالة فوضي، وقد كشفت الاتصالات والمشاورات بين أجهزة الاستخبارات والخارجية، ومكتب رئيس الوزراء عن حقائق بدأت تتكشف علي الأرض يمكن إيجازها فيما يلي :
•    التخوف من وقوع مصر في حالة انهيار استراتيجي برغم سيطرة الجيش علي مقاليد الأمور.
•   التصور بأن الإخوان قوة حقيقية وأنهم لن يستسلموا أبدا بسهولة، وسيختارون التهدئة مقابل الخروج الآمن أو المهادنة، مقابل تسويات مؤقتة أو شكلية، وهو ما عبر عنه ليبرمان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي، من أن الإخوان لن يخرجوا بسهولة، وأن مصر إلي فوضي ولو مؤقتة.
•    التأكيد علي أن معارضة مصر ضعيفة، والمشهد سيمضي إلى سيناريوهات عديدة، ولا يمكن التدخل في الأمر علي الأقل في التوقيت الراهن، والاكتفاء بالاستجابة للمطالب المصرية في سيناء، والانتظار للمواجهات المحتملة في قطاع غزة.
في كل التصورات الإسرائيلية الاستخباراتية  المطروحة فإن  مصر لن تهدأ، وأنه ليس من المهم الاعتراف بأن ما جري ثورة أم انقلاب، خاصة مع رهانهم بأن الإدارة الأمريكية ارتكبت في التعامل مع الموقف  المصري أخطاء في قراءة المشهد والتعامل معه،  ويرون أن الحالة المصرية معقدة، وليس عليها توافق كامل في أركان الإدارة، ولكن، وفي كل التوقعات،  كما تري دوائر الاستخبارات، فإن إدارة أوباما لن تتخلي عن مصر؛ حيث  العلاقات الممتدة مع جيشها ومؤسستها العسكرية، ولن تتخلي نهائيًا عن الإخوان، وستدخل في ساحات المواجهة، لأن الحكومة الإسرائيلية ترى أن قيام إدارة أوباما بقطع المساعدات أو عقاب مصر سيؤدي  للمساس بأمن إسرائيل، وبمعاهدة السلام، وسيعرض السلام إلى الخطر الحقيقي.

بالتالي سيتعين علي إسرائيل القيام علي الأقل في المدى المنظور بما يلي:

•    التهدئة والانتظار فربما يحسم تيار بعينه المشهد، ولكن هناك تقدير استراتيجي بأن الأمر لن يتم في غضون مدة وجيزة.
•   عدم التدخل في إدارة المشهد، واستخدام أساليب وأنماط غير مباشرة في دعم التحرك المصري الرسمي.
•    دفع الإدارة الأمريكية بالاقتراب من المشهد المصري، وعدم تركه لأن هذا سيؤثر علي العلاقات بشدة، والاتحاد الأوروبي لن يكون بديلاً عن الإدارة الأمريكية.
•    الالتزام بنصوص "معاهدة السلام"، والضغط علي مصر باستمرار سيطرتها علي قطاع غزة، والدفاع علي أمن سيناء، بل والعمل علي تطويق المنظمات الفلسطينية، لأن استمرار التهدئة مصلحة استراتيجية راهنة.
•    عدم التسرع في إتمام المصالحة التركية ـ الإسرائيلية في ظل انهيار العلاقات المصرية ـ التركية، وتصميم الأتراك علي أن  ما جري  في مصر انقلاب، وأن العسكريين حسموا مستقبل مشروع الإسلام السياسي، وهو ما يمكن أن يتكرر في الحالة التركية، ومطلبهم بالتمسك بعودة شرعية الإخوان تحت أي مسمي.
في هذا الإطار فان إسرائيل لم تسقط بعد خياراتها العسكرية للتعامل مع حالة الارتباك الراهن في المشهد المجاور، مصر وفلسطين وسوريا، وبرغم هذا الإحساس المتزايد بالخطر إلا أن حكومة نتانياهو قررت تقليص موازنة وزارة الدفاع 3 مليارات شيكل، بعد أن كانت محل خلاف وزير المالية،  يائير بيليد، وموشييه يعالون، وزير الدفاع، ولكن ستزيد الموازنة لاحقا في عام 2015 بدون نقاش جديد في الكنيست من جديد، وتفعيل ما يعرف بخطة عوز الاستراتيجية 2013- 2017 ، وهي خطة تطوير الجيش، وتحويل مهامه الدفاعية إلي هجومية، وتبني استراتيجات فعالة ومباشرة، والاعتماد علي أساليب استخباراتية وتقنية، بالإضافة لعدم المساس بنظم التسليح القبة الحديدية، أو العصا السحرية، أو حتى شراء غواصات جديدة من ألمانيا بالإضافة للطائرات بدون طيار من ايطاليا .
 إن إسرائيل لن تتراجع عن سياستها العسكرية، ولم يعد بخاف أن المؤسسة العسكرية أعادت التأكيد بان إسرائيل ليست مجبرة علي تبني خيارات الانتظار، وأن عليها اتباع نهج المفاجأة عند الضرورة، والتصعيد في مواجهتها في سيناء، أو غيرها مع "حماس" في غزة، وصحيح أن هناك اتفاق شبه كامل في وزارة الدفاع بأنه لا حرب جديدة في غزة، ولا مبادرة بضرب "حزب الله" في هذا التوقيت، وأن الجيش سيخرج عند الضرورة لحرب مع إيران عندما تقترب من العتبة النووية، إلا أن مخاطر الحالة المصرية واردة وبقوة، في حال تدهور الأوضاع في سيناء، وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي علي الاستجابة لمتطلبات الأمن المصري، مما يتطلب إما انهيار "كامب ديفيد" واقعيًا، وإما الدخول مباشرة في عمق سيناء، والبقاء فيها، وإقامة منطقة عازلة عند الضرورة، وبرغم أن هذا الخيار يبدو الخيار شمشون، لكنه وارد في حال  تعثر الموقف الأمني في مصر، وانهيار المنظومة السياسية، وعدم استكمال المشهد السياسي بأكمله، واحتمالات إعلان أحكام عرفية، والحكم بقرارات سلطوية للجيش المصري.
 تراهن إسرائيل إذن علي عدم استكمال المشهد السياسي في مصر، وترى أن هناك ما يشير إلي ذلك، مما يتطلب الاستعداد الجدي والواقعي علي الصعيد الأمني والاستراتيجي،  وذلك استنادا إلي ما يلي:
•    أن المدة المحددة للاستحقاق السياسي، والمحددة بالإعلان الدستوري غير كافية، بل وسيدور خلاف شكلي وجوهري بين القوي السياسية على بعض تفاصيلها، وهو ما يجري الآن؛ مما سيعطل الوصول للاستحقاقات المقررة.
•    أن أطرافًا دولية وإقليمية ستؤثر لا محالة علي نمط العلاقات الداخلية، وإنجاز المصالحة في ظل تباين المواقف، الأمريكية والتركية والإيرانية، علي المشهد المصري .
•    أن ضخ الأموال الخليجية قد تحل الأزمة في مصر مرحليًا، ولكن بطريقة غير كاملة؛ مما يعني أن مصر لن تشهد استقرارا بالمعني المعروف.
•   أن المواجهة مع إسرائيل لن تأتي في أولويات صانع القرار المصري الراهن، وفي ظل حالة الانكفاء الذاتي مما يعني أن إسرائيل لن تحتل درجة عالية في الاهتمام المصري في المدى المنظور.
 في كل الأحوال فإن خيارات إسرائيل الاستراتيجية الإبقاء علي القدرات الإسرائيلية وتحديثها وتنميتها، واعتماد وسائل اختراق  سياسية واستراتيجية للتطورات في مصر بدعوي تكشف المواقف ورصد السياسات وتداعياتها  علي أمن إسرائيل القومي.
تدرك إسرائيل أن الحفاظ علي السلام مع مصر أمر هام  ومطلب استراتيجي، ولكن هذا لن يكون أبديًا في ظل حالة السيولة التي تعيشها إسرائيل في محيطها الإقليمي، حيث الأزمة السورية لم تحسم بعد، والجبهة في الجولان ما تزال ساخنة. فإسرائيل تنــظر إلى حقيقة أن "اتفاقــية السلام" غيبت الجــيش المصري عن الحــدود الجنوبــية والجيــش الأردني عن الحدود الشرقيــة، فيمــا غيبت الحــرب الأهليــة الدائـرة فــي سوريــا أيضــًا الجيش السوري عن الجبهة الشمالية. ومما لا شك فيه أن هـذا لا يلغي في نظر صناع القرار الإسرائيلي المخاطر المحتملة على الجبهة اللبنانية، ولا على الجبهة الفلسطينية، ولكن هذه ليست من نوع المخاطر العميقة التأثير .

استراتيجات إسرائيل للعمل

السؤال إذن في إسرائيل، وماذا عن المستقبل؟ وكيف ستعيش إسرائيل وسط إعصار المخاطر والتحديات الراهنة والقادمة من مصر وغزة ؟ لن يكون بمقدور إسرائيل التهدئة والانتظار فحسب بناء علي نصيحة نتناياهو لقيادات الدولة  في عدم التورط في مواقف أو تصريحات غير مسئولة، وإنما عليها التحرك المباشر من أجل فرض استراتيجية التعامل ونظام الحكم الراهن والمحتمل.

مع النظام الراهن في مصر

تري الحكومة الإسرائيلية الاستجابة لمطالب مصر الأمنية في سيناء دون أن تبالغ في هذا الإطار، وعلي مصر الالتزام بنصوص "معاهدة السلام" شكلاً ومضمونًا، كخطوة لبناء إجراءات ثقة مع النظام الجديد المرحلي، خاصة مع استمرار قنوات التفاعل والاتصال قائمة بين البلدين.

مع النظام المحتمل في مصر

تراهن إسرائيل علي خسارة التيار الإسلامي لمواقعه في الانتخابات المقبلة، حيث سيتم إقصائهم من المشهد السياسي لا محالة، وإن شاركوا فسوف يكون من خلال مشاركة رمزية، وبالتالي فإن وصول نظام علماني هو الوارد، وسوف يحرص علي بناء نظام ليبرالي قد يطبق الديمقراطية الحقيقية، ولكن هذا الأمر ليس سهلاً في محيط سياسي مرتبك، أطاح برئيس منتخب بعد 12 شهرًا من توليه.
كما تراهن إسرائيل بأنه لا توجد ضمانات بأن الجيش في مصر قد يلغي نتائج أية انتخابات لا تروق له، مما يعني عودة الجيش إلي صدارة المشهد، وفي كل الأحوال قد تحدث سلسلة من الانقلابات العسكرية في مصر؛ مما يتطلب الاستعداد الجدي لذلك، وتبني استراتيجات دفاعية وهجومية معًا.

الخلاصة

•    أن هناك قناعة إسرائيلية كاملة بأن مصر كانت ولا تزال حجر الزاوية في النظام الإقليمي العربي، وركيزة الاستقرار في المنطقة، وفي حال عدم الاستقرار، فإن غزة ستدخل مواجهة جديدة، وستهتز الملكية في الأردن، ومن المحتمل أن تنهار قواعد المعادلة السياسية الراهنة مع سوريا.
•    التأكيد بأن الجيش المصري هو وحده ضابط الاستقرار السياسي في مصر، ولن تمر أي عملية سياسية بدون موافقته أو قبوله بها، وبالتالي فإن مصلحة إسرائيل الحفاظ علي علاقة جيدة مع هذا الجيش .
•    أن مصر لن تشهد استقرارًا بالمعني المعروف، خاصة أن المراحل الانتقالية في حكم النظم المشابهة لمصر ليست ميسورة، مما يتطلب التعامل مع سياسات مباشرة تراقب عن بعد وعن قرب، خاصة أن الفوضى مرشحة بقوة للتفشي في مصر.
•    أن الإسلام السياسي  ليس قوة سياسية لا تهزم، وأن المصريين أدركوا أن الإسلام ليس هو الحل، مما يؤكد اليقين الإسرائيلي بأن مصر تبدو الآن دولة بلا حل، وأنه لا توجد قوة مدنية تفرض القانون والنظام في مصر(7).
•    أن مصر ستواجه فشلاً جديدًا بعد مبارك ومرسي، وأن الخطر الجديد الذي يشمل الشرق الأوسط هو خطر اللانظام المطلق.
•    أن احتمالات التدهور نحو حرب أهلية في مصر قائم، وأن انقسام المجتمع المصري بين التيار الإسلامي والتيار العلماني سيستمر بقوة.
•    أنه في حال إجراء الانتخابات فسوف يأتي مبارك أو مرسي جديد، ومرة أخرى ستخرج الجماهير لميدان التحرير، وهكذا دواليك ليس لأنهم مؤيدون أو معرضون، وإنما  لان الحالة المصرية معقدة ولن تهدأ بسهولة.
وتبقي الخلاصة الأخيرة بأن ما يجري في القاهرة شأن مصري يدفع بإسرائيل - هكذا تري حتى الآن -  لعدم  لتدخل  في ظل العلاقات الجيدة مع الجيش المصري، وأجهزة الأمن، وهو ما كشفت عنه الساعات التالية للتحول السياسي في مصر، بدءًا من يوم 30 يونيو بل وقبله، وطالما هذا هو واقع العلاقات ومستقبلها، وغزة وسيناء هادئتان علي أمن إسرائيل، حيث لا خطر حقيقي، فينبغي علي إسرائيل مواصلة الصمت والهدوء مع اتباع استراتيجية الاستعداد العسكري للأسوأ، ففي كل الأحوال تبقي إسرائيل علي خيارات المواجهة المحتملة علي كل المسارات

منقول عن موقع قناة العربية الأخبارية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعلقك يزيدنا ابداع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting