كان ذلك فى أكتوبر 1992، عدت من المدرسة، جلست لحل واجب (الجبر)، وبعد
قليل بدأ البيت فى الاهتزاز بقوة، مع أصوات صراخ والناس تجرى وتهرول نزولاً
وهروباً من (البلوك) الذى أقيم فيه فى هذه المساكن الشعبية، بعد قليل
استقرت الأمور، وعرفنا أنه زلزال بدرجة 6 ريختر، وبدأت التصدعات تصيب
البيوت، وسمعنا عن العديد من المنازل التى هُدمت ووقعت على من فيها، ومنها
حسبما أتذكر عمارة فى مصر الجديدة اكتشفوا فيها (أكثم)، الرجل الذى ظل حياً
تحت الأنقاض لأيام، ووسط كل ذلك بدأت العديد من التغيرات تطرأ على
المنطقة.
تم فتح مركز الشباب القريب للناس التى فقدت بيوتها، ليسكنوا فى خيام نصبت فى قلب الملعب، الذى طالما كنا ننظفه ونلعب فيه، ونقوم بمعاونة (عم أحمد الفرماوى) على رشه. وتحت منزلنا حدث الهجوم.
هجوم يشبه الاحتلال، لجماعات لا نعرفها، ولا نعرف من أين جاءت، راحت تنصب العشش الخشبية، وتأخذ الكهرباء من (العمومى)، وتبنى دورات مياه مشتركة، ولا وجود للشرطة، أو اعتراضات من السكان الذين آثروا السلامة، على اعتبار أن هؤلاء حدثت لهم كارثة ويجب معاونتهم، حتى وإن لم يعجبنا ذلك، حتى وإن قبلناه على مضض، حتى وإن رفضناه من داخلنا، لأن ذلك لن يطول عن أسبوعين أو ثلاثة بحد أقصى، لكن الأمر لم يكن كذلك بالمرة.
فرض السكان الجدد قوانينهم على المنطقة. كانوا يعاكسون بنات المنطقة، فتحدث خناقات عديدة، واشتباكات يمكن (لمها) بعد قليل، لكن ما لم يمكن (لمه) هو سلوكهم وأخلاقهم وشتائمهم البذيئة، وتصرفاتهم الغريبة، وأصواتهم العالية، وهزارهم السمج، وروائح ما يطهونه من طعام غريب، والسرقات التى بدأت تزيد فى المنطقة، وكل ذلك كان يمكن تحمله، ما دامت فترة وجودهم قصيرة، لكن ما حدث أن الأسبوعين أصبحا شهراً، ثم ستة أشهر، ثم عاما كاملا، ثم قبل البعض وجودهم وكأنه حقيقة لا بد من التعامل معها، واعتبروهم جيراناً يصعب فراقهم، وليسوا عشرة يوم أو اثنين، بل عام كامل.
أما المعترضون فقد بدأوا يرسلون بالشكاوى للحى والشرطة والصحف ومبنى الإذاعة والتليفزيون، وتحديداً برنامج «ريبورتاج» على القناة الثالثة، وبالطبع لم يحدث أى شىء، باستثناء تفصيلة صغيرة، لكنها جوهرية، هجوم من بلطجية على المنطقة لأسباب لم نكن نعرفها، لكن السكان الجدد تصدوا لهم ببسالة، وهكذا أصبحوا أبطالاً!!
توارى المعترضون على وجودهم خجلاً، لكنهم ازدادوا حنقاً عليهم، بينما صارت المنطقة تتعامل معهم بوصفهم (حماة) المنطقة، وتجاوزوا عن سلوكهم الذى تطور ليصل لمرحلة تجارة الحشيش!
ويوماً بعد يوم أصبح السكان الجدد أقوى سلطة فى المنطقة من سكانها الأصليين، لدرجة أن الشرطة والحى حين قرروا أن يعيدوهم إلى بيوتهم الأصلية، تمسك بهم عدد من السكان القدامى، ودافعوا عنهم، ودعوهم للبقاء رغم كل شىء، واعدين إياهم بالوقوف إلى جوارهم، وهو ما جعل السكان الجدد يرفضون مغادرة العشش، ويقاومون قوات الشرطة (البسيطة) التى جاءت، لدرجة أنهم حين نجحوا فى إبعاد الشرطة أقاموا احتفالاً كبيراً ظلوا يرقصون فيه حتى الصباح احتفالاً بهزيمة الشرطة!
لكن بعد أكثر من مهلة وإنذار بدأ صبر الداخلية ينفد، وكان وزيرها آنذاك اللواء محمد حسن الألفى، وهكذا قرروا أنه لا مزيد من الطبطبة والكلام الودى، وهكذا وصلت قوات شرطة قامت بإزالة العشش، وسط صراخ وشتائم ودعوات على الجميع، وتساؤلات غريبة من عينة (اشمعنى العشش بتاعتنا، وسايبين عشش تانية)، والغريب أن البعض وقف معهم ونزل ليأخذ الضرب معهم، ويشاطرهم الصراخ والعويل، والأغرب أن الجميع كانوا يعرفون أنهم سيأخذونهم ليعيدوهم لبيوتهم أو يعوضوهم ببيوت أخرى، لكنهم يفضلون هذه العشة تحديداً، لدرجة أن بعضهم أصبح يؤجرها أحياناً ويذهب للبيات عند أقاربه!!
فيما بعد هدأ الأمر. بدأت عمليات الرصف وإزالة المخلفات. عادت المنطقة لوجهها الحقيقى القديم، لكن الأحاديث لم تنته عن السكان الذين رحلوا، وظل البعض يتواصل معهم واعداً إياهم بإمكانية العودة، وحين جاء بعضهم زائرين هذه المرة، قالوا إنهم يعتذرون عما كان قد بدر منهم وإنهم يريدون العودة لبناء عشش للعيال التى كبرت وأصبحت على وش جواز، لكن شيئاً لم يحدث، باستثناء أن رجلاً جاء ليسترزق من ركن بعض السيارات أسفل المنزل، قبل أن يتحول الموضوع مع مرور الوقت، واستعطافات الناس من أجله إلى جراج يحكمه الرجل، الذى صار أشهر بلطجية المنطقة، بالاتفاق مع الشرطة!!
تم فتح مركز الشباب القريب للناس التى فقدت بيوتها، ليسكنوا فى خيام نصبت فى قلب الملعب، الذى طالما كنا ننظفه ونلعب فيه، ونقوم بمعاونة (عم أحمد الفرماوى) على رشه. وتحت منزلنا حدث الهجوم.
هجوم يشبه الاحتلال، لجماعات لا نعرفها، ولا نعرف من أين جاءت، راحت تنصب العشش الخشبية، وتأخذ الكهرباء من (العمومى)، وتبنى دورات مياه مشتركة، ولا وجود للشرطة، أو اعتراضات من السكان الذين آثروا السلامة، على اعتبار أن هؤلاء حدثت لهم كارثة ويجب معاونتهم، حتى وإن لم يعجبنا ذلك، حتى وإن قبلناه على مضض، حتى وإن رفضناه من داخلنا، لأن ذلك لن يطول عن أسبوعين أو ثلاثة بحد أقصى، لكن الأمر لم يكن كذلك بالمرة.
فرض السكان الجدد قوانينهم على المنطقة. كانوا يعاكسون بنات المنطقة، فتحدث خناقات عديدة، واشتباكات يمكن (لمها) بعد قليل، لكن ما لم يمكن (لمه) هو سلوكهم وأخلاقهم وشتائمهم البذيئة، وتصرفاتهم الغريبة، وأصواتهم العالية، وهزارهم السمج، وروائح ما يطهونه من طعام غريب، والسرقات التى بدأت تزيد فى المنطقة، وكل ذلك كان يمكن تحمله، ما دامت فترة وجودهم قصيرة، لكن ما حدث أن الأسبوعين أصبحا شهراً، ثم ستة أشهر، ثم عاما كاملا، ثم قبل البعض وجودهم وكأنه حقيقة لا بد من التعامل معها، واعتبروهم جيراناً يصعب فراقهم، وليسوا عشرة يوم أو اثنين، بل عام كامل.
أما المعترضون فقد بدأوا يرسلون بالشكاوى للحى والشرطة والصحف ومبنى الإذاعة والتليفزيون، وتحديداً برنامج «ريبورتاج» على القناة الثالثة، وبالطبع لم يحدث أى شىء، باستثناء تفصيلة صغيرة، لكنها جوهرية، هجوم من بلطجية على المنطقة لأسباب لم نكن نعرفها، لكن السكان الجدد تصدوا لهم ببسالة، وهكذا أصبحوا أبطالاً!!
توارى المعترضون على وجودهم خجلاً، لكنهم ازدادوا حنقاً عليهم، بينما صارت المنطقة تتعامل معهم بوصفهم (حماة) المنطقة، وتجاوزوا عن سلوكهم الذى تطور ليصل لمرحلة تجارة الحشيش!
ويوماً بعد يوم أصبح السكان الجدد أقوى سلطة فى المنطقة من سكانها الأصليين، لدرجة أن الشرطة والحى حين قرروا أن يعيدوهم إلى بيوتهم الأصلية، تمسك بهم عدد من السكان القدامى، ودافعوا عنهم، ودعوهم للبقاء رغم كل شىء، واعدين إياهم بالوقوف إلى جوارهم، وهو ما جعل السكان الجدد يرفضون مغادرة العشش، ويقاومون قوات الشرطة (البسيطة) التى جاءت، لدرجة أنهم حين نجحوا فى إبعاد الشرطة أقاموا احتفالاً كبيراً ظلوا يرقصون فيه حتى الصباح احتفالاً بهزيمة الشرطة!
لكن بعد أكثر من مهلة وإنذار بدأ صبر الداخلية ينفد، وكان وزيرها آنذاك اللواء محمد حسن الألفى، وهكذا قرروا أنه لا مزيد من الطبطبة والكلام الودى، وهكذا وصلت قوات شرطة قامت بإزالة العشش، وسط صراخ وشتائم ودعوات على الجميع، وتساؤلات غريبة من عينة (اشمعنى العشش بتاعتنا، وسايبين عشش تانية)، والغريب أن البعض وقف معهم ونزل ليأخذ الضرب معهم، ويشاطرهم الصراخ والعويل، والأغرب أن الجميع كانوا يعرفون أنهم سيأخذونهم ليعيدوهم لبيوتهم أو يعوضوهم ببيوت أخرى، لكنهم يفضلون هذه العشة تحديداً، لدرجة أن بعضهم أصبح يؤجرها أحياناً ويذهب للبيات عند أقاربه!!
فيما بعد هدأ الأمر. بدأت عمليات الرصف وإزالة المخلفات. عادت المنطقة لوجهها الحقيقى القديم، لكن الأحاديث لم تنته عن السكان الذين رحلوا، وظل البعض يتواصل معهم واعداً إياهم بإمكانية العودة، وحين جاء بعضهم زائرين هذه المرة، قالوا إنهم يعتذرون عما كان قد بدر منهم وإنهم يريدون العودة لبناء عشش للعيال التى كبرت وأصبحت على وش جواز، لكن شيئاً لم يحدث، باستثناء أن رجلاً جاء ليسترزق من ركن بعض السيارات أسفل المنزل، قبل أن يتحول الموضوع مع مرور الوقت، واستعطافات الناس من أجله إلى جراج يحكمه الرجل، الذى صار أشهر بلطجية المنطقة، بالاتفاق مع الشرطة!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعلقك يزيدنا ابداع