ماذا بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية ؟

لم ‬يكن الحادث الإرهابى ‬الذى ‬تعرض له اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ‬يوم الخميس الماضى ‬من فعل مجموعة محدودة قررت التحرك والمواجهة بشكل منفصل، ‬بل كان ثمرة من ثمار التحالف الاستراتيجى ‬بين جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وبعض التنظيمات التكفيرية والحليفة الأخرى‮.‬
وليس صحيحاً أن ولادة هذا التحالف قد جاءت فى ‬أعقاب الثورة الشعبية التى ‬أسقطت حكم مرسى ‬وجماعة الإخوان، ‬بل هو تحالف تجسد بشكل أكثر وضوحاً فى ‬أعقاب ثورة الخامس والعشرين من ‬يناير ‬2011، ‬عندما راحت الأجهزة الأمريكية تعد العدة لتهيئة المسرح لصعود الإخوان وتولى ‬شئون الحكم فى ‬عدد من البلدان العربية‮.‬
كان الاتفاق ‬يومها، ‬يقضى ‬بتجميع كافة العناصر الإرهابية فى ‬العالم داخل سيناء، ‬وتأمين وجودهم من خلال حكم الجماعة، ‬مع أخذ التعهدات التى ‬تحول بينهم وبين الاعتداء على ‬إسرائيل انطلاقاً من الحدود‮.‬
كانت الخطة واضحة ومحددة الملامح، ‬تم الإفراج عن مئات العناصر التى ‬سبق لها أن تورطت فى ‬أعمال عنف وإرهاب فى ‬الفترة الماضية، ‬كما جرى ‬الاتفاق بوساطة أمريكية مع عناصر أخرى ‬فى ‬أفغانستان وأوروبا وبعض بلدان المغرب العربى ‬وغيرها للاستقرار فى ‬سيناء‮.‬
كان الغرض من وراء ذلك تحقيق عدة أهداف‮: ‬
1 ‬ـ الحيلولة دون تورط هذه العناصر فى ‬أية أعمال إرهابية ضد المصالح الأمريكية والأوروبية فى ‬العالم‮.‬
2 ‬ـ تحقيق الاستقرار فى ‬أفغانستان، ‬خاصة مع قرب انسحاب القوات الأمريكية منها فى ‬العام المقبل‮.‬
3 ‬ـ المساعدة فى ‬تنفيذ المخطط الأمريكى ‬ـ الإسرائيلى ‬ـ الإخوانى ‬بإقامة دولة ‬غزة الكبرى ‬وحل المشكلة الفلسطينية على ‬حساب أرض سيناء المصرية‮.‬
4 ‬ــ البدء فى ‬تشكيل ميليشيات عسكرية داخل سيناء، ‬يمكن استخدامها فى ‬مواجهة الجيش المصرى ‬إذا ما حاول التصدى ‬لمخطط دولة ‬غزة الكبرى، ‬أو ‬غيرها‮.‬
منذ هذا الوقت بدأ المخطط ‬يجد طريقه على ‬أرض الواقع، ‬كان كل شىء معداً جيداً، ‬ولم ‬يكن حادث رفح فى ‬أغسطس ‬2012، ‬وحادث اختطاف الجنود فى ‬مايو ‬2013، ‬سوى ‬حلقة من حلقات هذا المخطط، ‬الذى ‬سعى ‬إلى ‬القضاء على ‬سيطرة قوات الأمن والجيش المصرى ‬فى ‬هذه المنطقة‮.‬
وعندما أسقط الشعب نظام الجماعة التى ‬أرادت القضاء على ‬الدولة، ‬تحركت جحافل الإرهابيين فى ‬سيناء، ‬بعد أن تلقت الضوء الأخضر من قيادة الإخوان فبدأت على ‬الفور فى ‬شن عمليات إرهابية ضد قوات الأمن المصرية فى ‬هذه المنطقة، ‬وراحت تدفع بكل قواتها لإنجاز انتصار سريع، ‬يمثل قوة ضغط على ‬الجيش المصرى ‬والقيادة الجديدة التى تولت مهام السلطة فى ‬البلاد فى ‬أعقاب الثورة‮.‬
كانت قضية هذا التحالف بين القاعدة والإخوان، ‬الذى ‬اتخذ من سيناء قاعدة للانطلاق إلى ‬مصر كلها، ‬هى ‬واحدة من أوراق الضغط التى ‬هدد بها الرئيس مرسى ‬فى ‬مواجهة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ‬الذى ‬ذهب إليه ‬يوم ‬2 ‬يوليو ليبلغه بالتحذير الأخير، ‬ويطالبه بإصلاح الأوضاع فى ‬البلاد‮.‬
يومها كان محمد مرسى ‬يتحدث بثقة كبيرة، ‬ويهدد بأن شباب الإخوان سيمنعون الآليات العسكرية من الدخول إلى ‬القاهرة، ‬كما أن الموقف فى ‬سيناء سينفجر وتصل آثاره إلى ‬عموم البلاد، ‬وبذلك سيخسر الجيش كل شىء‮.‬
لم ‬يهتم الفريق أول عبدالفتاح السيسى ‬كثيراً بتهديدات محمد مرسى ‬فى ‬هذا الوقت، ‬كان ‬يعرف أن الإخوان لديهم ميليشيات مسلحة، ‬وكان ‬يدرك طبيعة وأبعاد التحالف بين العديد من التنظيمات التكفيرية التى ‬تعمل تحت راية تنظيم القاعدة ومن جماعة الإخوان، ‬وكان ‬يدرك وهذا هو الأخطر أن أمريكا الراعى ‬الرسمى ‬لهذا التحالف لن تصمت ولن ‬يهدأ لها بال، ‬ومع ذلك قرر وبكل حسم الانحياز إلى ‬إرادة الشعب المصرى ‬مهما كان الثمن فى ‬المقابل‮.‬
لقد سددت قيادة الجيش ضربة قاصمة لحكم الجماعة وأنهت احتلالها للبلاد، ‬ووضعت حداً للتفريط واستباحة الأمن القومى، ‬وتحويل مصر إلى ‬بؤرة راعية للإرهاب، ‬فكان الحدث مذهلاً‮.‬
لم ‬يصدق «أوباما» ‬وقائع ما حدث، ‬قدمت سوزان رايس مستشارة الأمن القومى ‬الأمريكى ‬عدة ‬تقارير إلى ‬البيت الأبيض فى ‬هذا الوقت تحذر فيها من خطورة قرار الجيش الذى ‬انحاز ‬إلى ‬الشعب وأسقط النظام، ‬لقد أكدت أن ما جرى ‬كان تحدياً للمشروع الأمريكى ‬فى ‬المنطقة وإفشالاً ‬متعمداً لسياسة الرئيس أوباما وله شخصياً‮!!‬
من هنا ‬يمكن فهم أبعاد المؤامرة الأمريكية ضد مصر، ‬وحالة الارتباك التى ‬سادت الموقف الأمريكى ‬الذى ‬راح ‬يتأرجح ‬يميناً ويساراً، ‬ما بين المعارضة وما بين التحفظ فى ‬التأييد، ‬غير أن واشنطن ظلت طيلة المرحلة الماضية، وتحديداً بعد انتصار ثورة الثلاثين من ‬يونيو، مؤيدة لنهج الإخوان وما تسميه بـ«الشرعية‮».‬
صحيح أن الأمر قد تراجع إلى ‬حد المطالبة بالإفراج عن الرئيس المعزول وبعض قيادات الجماعة والسماح بإدماجهم فى ‬الحياة السياسية، ‬إلا أن المخطط لا يزال سارياً من خلف ستار‮.‬
وتسعى ‬واشنطن من خلال هذا المخطط إلى ‬الوصول بمصر إلى ‬الحالة السورية من خلال عدد من الإجراءات التى ‬باتت محل اتفاق بين الجماعة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية بهدف رد الصفعة التى ‬سددها الجيش المصرى ‬للرئيس الأمريكى ‬ومخططه الذى ‬يستهدف إعادة رسم الخرائط الجغرافية والسياسية فى ‬المنطقة عبر ما ‬يسمى ‬بثورات الربيع العربى!!‬
كانت الخطة تستهدف ما ‬يمكن تسميته بالصعود التدريجى ‬وتهيئة المسرح المصرى ‬لأحداث جسام تؤدى ‬إلى ‬انتشار الفوضى ‬وصولاً ‬بالبلاد إلى ‬التدخل الخارجى ‬المباشر، ‬وفى ‬ضوء ذلك كانت الخطة تقضى ‬بـ‮: ‬
1‬ـ البدء بسياسة الحشد والتظاهرات والاعتصامات ‬والمطالبة بعودة الرئيس المعزول، ‬والادعاء بأن ما حدث ليس ثورة شعبية وإنما انقلاب عسكرى ضد «‬الشرعية».‬
2ـ ‬يرافق ذلك حملة إعلامية واسعة تستهدف تشويه الحقائق ونشر الأكاذيب والترويج للشائعات والادعاء بأن ما جرى مقصود به إعلان الحرب على «‬الإسلام»‬، ‬وقد صدرت التعليمات إلى قناة الجزيرة بالبدء فى ‬هذه الحملة، ‬والتحرك لشراء مساحات إعلانية فى العديد من الفضائيات العالمية والصحف الأجنبية‮.. ‬إضافة إلى اعتماد مبلغ ‬394 ‬مليون دولار تم دفعها لصالح شركتى علاقات عامة داخل الولايات المتحدة للترويج لهذه الأكاذيب، وإقناع صناع القرار فى ‬أمريكا وأوروبا بأن ما جرى هو انقلاب على الشرعية، ‬وأنه ‬يتوجب فرض العقوبات على مصر وصولاً ‬إلى التدخل العسكرى المباشر لإعادة الجماعة إلى حكم مصر مرة أخرى‮.‬
بعد فشل خطة الحشد والاعتصام، ‬ونجاح قوات الأمن ومن خلفها الجيش المصرى فى فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بأقل قدر من الخسائر، ‬كان طبيعيا أن ‬يتم اللجوء إلى المرحلة الثانية من المخطط التى قضت بحرق المنشآت الاستراتيجية وأقسام الشرطة ودور العبادة، ‬وتحديداً الكنائس؛ بهدف جر البلاد إلى فتنة طائفية تستدعى التدخل الأجنبى‮.‬
وقد جرت بالفعل عمليات واسعة لإحراق العديد من هذه المؤسسات، ‬إلا أن بسالة رجال الشرطة والجيش فى التصدى للمخطط، ‬ورفض الأقباط الانجرار إلى مخطط الفتنة واستدعاء الأجنبى حالا دون نجاح هذا المخطط الذى سبب خسائر مادية وبشرية فادحة فى البلاد‮.. ‬
3ـ كان طبيعيا والحال كذلك أن تبدأ الحلقة الثالثة والأخيرة فى هذا المخطط التى تقضى بتنفيذ خطة واسعة للاغتيالات والتفجيرات تهدف إلى إثارة الخوف والفوضى فى البلاد‮.. ‬
وقد بدأت هذه الخطة بمحاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم ‬يوم الخميس الماضى، حيث كان المخطط ‬يقضى أنه وبنجاح خطة الاغتيال تعقبها عمليات عنف واسعة ‬يوم الجمعة، ‬تدخل البلاد فى حالة فوضوية جديدة، ‬إلا أن فشل عملية الاغتيال أثار حالة من الإحباط لدى الجماعة فاضطرت إلى التراجع مؤقتا عن تنفيذ مخططها واقتصرت مظاهرات الجمعة، التى تراجع فيها الحشد كثيراً، على محاولة الاحتكاك برجال الأمن والمواطنين على السواء‮.‬
إن المعلومات الأولية لحادث محاولة اغتيال وزير الداخلية أكدت وجود أيدٍ ‬خارجية بالتعاون مع جماعة الإخوان على تنفيذ هذه الخطة، ‬خاصة أن الوزير كان قد تلقى معلومات من جهة أمنية سيادية قبل الحادث بعدة أيام حذرت فيها من خطة الاغتيال وأشارت إلى أن عناصر أجنبية بالاشتراك مع جماعة الإخوان وضعت مخططا للاغتيال‮.. ‬
ويبدو أن طريقة التنفيذ قد عززت من مصداقية هذه المعلومات، ‬حيث جرت عملية التفجير عن بعد، ‬وبكمية من المتفجرات ‬يصل وزنها إلى حوالى ‬250ـ300 ‬كجم‮.‬
لم ‬يقتصر الأمر على ذلك، ‬بل جرى اكتشاف كمية هائلة من المتفجرات تم زرعها على قضبان السكك الحديدية لقطار نقل الجنود على طريق السويس الإسماعيلية، ‬كما أن قنبلة بدائية الصنع تم إلقاؤها على قسم بولاق الدكرور، ‬وغيرها من الحوادث التى ‬يتوقع استمرارها لفترة من الوقت‮.. ‬
لقد نجحت قوات الأمن خلال الفترة الأخيرة فى تفكيك العديد من ‬غرف العمليات الإخوانية التى كانت تتولى عمليات الحشد وتنظيم المظاهرات، ‬كما أن عمليات القبض على ‬غالبية قيادات التنظيم، ‬كل ذلك كان سبباً فى فشل الخطة الإخوانية وتراجع الحشد الواسع للكوادر والجماهير‮.. ‬
وخلال الآونة الأخيرة، ‬أصبح السؤال المطروح‮: ‬لماذا لا تُفعل الحكومة قانون الطوارئ؟ ولماذا تترك بعض المتظاهرين الإخوان ‬يقطعون الطرق ويشعلون الحرائق ويرتكبون أعمال عنف ضد المواطنين والمؤسسات؟
إن الإجابة هنا تؤكد وجود تيارين داخل الحكومة‮: ‬
أحدهما ‬يطالب بترك هذه التظاهرات طالما ظلت سلمية، ‬وفى نفس الوقت تعطى إشارة للرأى العام العالمى بأن الحكومة لن تتدخل إلا إذا تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف وعدوان‮.‬
التيار الثانى ‬يرى أن ما ‬يجرى على أرض الواقع ‬يتعارض مع قانون الطوارئ، ‬ويثير المزيد من الأزمات والمشاكل فى البلاد، ‬وأنه طالما فرضت حالة الطوارئ فيجب تفعيل القانون فى مواجهة هذه التجمعات والتظاهرات، ‬وذلك عبر منعها واتخاذ إجراءات حاسمة ضد المحرضين عليها‮.‬
وفى الاجتماع الأخير لمجلس الدفاع الوطنى الذى عقد أول أمس السبت اتخذ المجلس عدة قرارات هامة من بينها‮: ‬
ـ مد فترة فرض الطوارئ على البلاد لمدة قد تصل من شهر إلى ثلاثة أشهر، حيث قدم وزير الداخلية تقريرا طالب فيه باستمرار حالة الطوارئ لفترة زمنية لا تقل عن ثلاثة أشهر، ‬حتى تتمكن الجهات الأمنية من سرعة القبض والتعامل مع العناصر الإجرامية التى تقوم بارتكاب أعمال عنف وبلطجة وقطع للطرق فى ‬العديد من المحافظات‮.‬
ـ الطلب من وزير العدل سرعة الانتهاء من قانون التظاهر وتقديمه إلى مجلس الوزراء لاتخاذ قرار بإصداره على الفور، ‬وهو القانون الذى ‬يتضمن ضرورة الحصول على ترخيص للمظاهرة قبل قيامها من قبل الجهة الإدارية المختصة، ‬كما ‬يتضمن القانون عقوبات رادعة للمخالفين‮.‬
ـ المطالبة بسرعة إصدار قانون الإرهاب ليكون بديلاً ‬لقانون الطوارئ، ‬وهو القانون الذى ‬يضمن ويتضمن سبل مواجهة الأعمال الإرهابية فى الفترة القادمة‮. ‬
ويبدو أن المرحلة القادمة سوف تشهد مزيداً من الحسم خاصة مع وجود حالة سخط داخل الأجهزة الأمنية المختلفة تطالب بالردع المبكر وتنفيذ قانون الطوارئ على المخالفين حرصاً على أمن البلاد وإنهاء مظاهر الفوضى التى تعرقل الحياة العامة فى البلاد‮.‬
لقد كلف مجلس الدفاع الوطنى وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات الأمنية التى من شأنها مواجهة مظاهر الانفلات والفوضى والتعدى على القانون والمنشآت ومنحه كافة الصلاحيات فى ذلك‮.‬ ومن المتوقع فى ضوء ذلك أن ‬يجرى تصعيد حركة المواجهة ضد محاولات نشر الفوضى فى البلاد، ‬خاصة أن آثار عمليات التصعيد التى جرت فى سيناء خلال الساعات الماضية أحدثت ردعاً كبيراً لعناصر الإرهاب وحققت نتائج إيجابية فورية على الأرض‮.‬
وهكذا أمام محاولات التصعيد الإخوانية واللجوء إلى أساليب العنف والإرهاب، ‬لا ‬يمكن القول إن قوات الأمن ستبقى على ذات نهجها السابق، بل هناك متغير جديد وفقاً للمعلومات سوف تشهده ساحة المواجهة فى الفترة القادمة، ‬بهدف إنهاء هذه المظاهر الإرهابية والفوضوية التى تسير وفقاً لخطة ممنهجة هدفها الوصول بالبلاد إلى حالة الفوضى الشاملة التى تؤدى إلى الحرب الأهلية وسقوط الدولة‮.‬

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعلقك يزيدنا ابداع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting