الوكيل الرسمى للإسلام.. والوكيل الحصرى للثورة

فى السياسة، ليس من حق أحد أن يدّعى أنه وحده صاحب الرؤية الصحيحة، وفى العقيدة الناس سواسية، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالعمل والاجتهاد.. نقول هذا بمناسبة ظاهرة نمت وترعرعت على ضفاف التسلط، وانتقلت من محتكرى الدين إلى محتكرى الثورة والوطنية، وما نكاد «نفلفص» من وكيل للدين يفرض تصوراته عن الإسلام، حتى يخرج لنا من يظن نفسه الوكيل الرسمى والحصرى للثورة.

أهم ما قدمته الثورة إنهاء احتكار السلطة.. سلطة السياسة أن تكون الدولة الجهة الوحيدة التى تستخدم القوة فى إطار القانون فإذا خرجت على هذا تفقد شرعيتها، أيضا سلطة المال التى يمكنها خارج القانون أن تشترى البشر وتبيعهم، وهناك سلطة المعرفة حيث تحتكر الدولة المعلومات، وتأتى سلطة الدين كجزء من سلطة المعرفة، تكونت خلال عقود، كانت الدولة تصل إلى ما قبل المنازل بينما وصلت سلطة الدين إلى المنازل، واحتكر بعض الدعاة الحديث باسم الدين، وأعلنوا الحرب على من يطالبون الناس بتشغيل عقولهم.

النتيجة أن عددًا محدودًا من الناس احتكروا طريقة تفسير الدين، واضطروا فى سياق تبرير الأفعال والانحرافات السياسية أن يمارسوا الكذب لتسويغ أفكارهم.
ورأينا كيف تحولت السلطة ومشتملاتها إلى منصات لإطلاق الأحكام بالتكفير.
وبمناسبة الدستور الجديد خرج حزب النور ليعلن أنه ضد تغيير الهوية، وكأن مصر لم تكن لها هوية منذ قرون، وأن الدولة كانت تنتظر النور ليقرر لها.. لقد ترك الوكلاء الرسميون للدين القضايا الاقتصادية والاجتماعية والفقر والعلاج والتعليم وتفرغوا فقط للمادة 219، بينما المادة الثانية، الأصل فى الموضوع، محسومة وكافية، والأزهر مرجعية متفق عليها. لكن حزب النور هنا يضع نفسه موضع الوكيل والطرف الوحيد الخائف على الهوية، وهو أمر أثبتت جميع التجارب السابقة خطأه، وكانت القيمة الحقيقية هى الاجتهادت التى أثرت الإسلام.

ولم تعد مثل هذه الحجج تكفى لإقناع الناس، ثم أن الاحتكار أدى بجماعة واحدة أن تتصور نفسها الأقدر على الفهم، وأصابها غرور الوكيل الرسمى فقادت البلاد إلى شفا حرب أهلية، وصدام ما يزال قائما. ومن الأفضل أن ينتهى دور الوكيل الرسمى للإسلام أو الدين، وأن تتفرغ الأحزاب السياسية للتنافس فى الشأن السياسى والاقتصادى والاجتماعى والتعليم والعلاج ومواجهة الفقر، وأن يتركوا الاجتهادات الدينية لأصحابها فى الأزهر والجامعات العلمية.

ومثلما الأمر فى الدين فإن ظاهرة الوكيل الرسمى للثورة هى الأخرى سادت منذ عامين ونصف العام، ومايزال هناك من يضع نفسه وكيلاً حصريًا للثورة، يحدد من هو معها ومن هو ضدها، وبدلا من التكفير الدينى أصبح لدينا التكفير الثورى، حيث يعلن بعض النشطاء أنفسهم متحدثين رسميين باسم ثورة يناير، وبعد ما جرى فى يونيو قللوا منه، ولم يشاركوا فيه، واكتشفوا أنهم فقدوا نجوميتهم وصوتهم بعد أن أصبحت السياسة مجالا للناس العاديين، فاضطروا للبقاء فى مكانهم يحملون تصوراتهم ويحددون ما هو ثورة وما هو خارجها.. والنتيجة أننا أصبحنا أمام وكلاء رسميين للثورة والوطنية، ووكلاء للدين، والمواطن يرفض كل هؤلاء، ويرى أن أهم ما فى الثورة أنها أنهت احتكار التصورات سواء حول الدين أو الوطن، والكل من حقه الاجتهاد والمشاركة دون احتكار أو حصرية.
الحمد لله
ظهرت أصوات تدعو إلى ترك الدين بذريعة ما أفسدته بعض الجماعات المنتسبة إلى العمل «الإسلامى» بأقوالها وتصرفاتها.
وأتفهّم جيداً دواعى مراجعة شرائح متسعة من الشباب لمسلّماتهم الدينية الموروثة طلباً لمعرفة الحقيقة، وهذا من حقهم إذا سلكوا طريق المنهج العلمى الجاد، بل ربما يجب عليهم أن يفعلوا ذلك فى مثل هذا العصر، لكن التوقّف هنا فى الربط بين هذا القرار وما نراه ونشهده من نماذج قبيحة لأقوال كثيرين وتصرفاتهم من المنتسبين إلى التدين وإلى الدعوة إليه.
فمن يُبرر لنفسه ترك الدين بسلوكيات المتدينين الخاطئة ينبغى أن يراجع مصداقيته مع نفسه من الناحيتين الأخلاقية والعقلية، وقبل أن يُساء فهم العبارة ويُظَنُّ أنَّ فيها حكماً على العقول والأخلاق، إليكم بيان المقصود:
أما الناحية الأخلاقية: فالمُقترح عليه أن يُفتّش فى أعماق نفسه عن دوافع قراره ترك التدين، فلربما يجد منها الميل إلى التخلص من أى التزام يوجب عليها أن تفعل أو تترك «الفرض الواجب والممنوع الحرام» فالنفس تستثقل الالتزام، لا سيما إذا كان إلزاماً بغير معرفة للمقاصد أو تذوق للمعانى، وهنا يجد الصادق مع نفسه أنه بحاجة إلى ربط القرارات بأسبابها الحقيقية، ثم يقرر طريقة التعامل معها.
وأما الناحية العقلية: فالمطلوب هو النظر فى صحة المُقدّمة التى بنى على أساسها النتيجة، وهذه المقدمة هى ربط صوابية المبدأ والعقيدة وسلامتهما بتصرفات كل من يدّعيهما، وهذا محل نظر لأنَّ ارتباط تصرفات الإنسان الخاطئة بفهم سقيم لنصوص دينية يعتقدها لا يعنى خطأ هذه النصوص، وإنَّ مخالفة الإنسان للمبادئ التى يتبناها لا يعنى بالضرورة أن يكون الإشكال فى هذه المبادئ، إذ لا يوجد مبدأ أو اعتقاد إلا وقد صدرت عن الذين يعتقدونه أو يتبنّونه تصرفات سيئة.
وإليكم أمثلة واقعية على ذلك:
* ظهر فى مَن يدّعون أنهم «إسلاميون» الكاذب والسارق والقاتل المجرم الذى ينتحل صفة الجهاد كالقاعدة والسلفية الجهادية وبعض الحركات السياسية الإسلامية.
* ظهر فى مَن يدّعون أنهم مسيحيون السارق والكاذب والقاتل باسم الصليب والمدعى بأن الرب قد أمره بشنّ الحرب على بلاد واحتلالها كالحروب الصليبية وميليشيات الصرب وتبريرات احتلال العراق.
* ظهر فى مَن يدّعون أنهم يهود من يسرق ويكذب ويقتل ويحتل ويتآمر كالكيان الصهيونى المحتل واللوبيات التى تعمل على خدمته.
* ظهر فى مَن ينتسبون إلى البوذية من يكذب ويسرق ويقتل ويقوم بالاستئصال العرقى كالحروب القديمة بين البوذيين مع الهندوس وما يجرى الآن فى بورما «ميانمار».
* ظهر من الملحدين من يسرق ومن يكذب ومن يقتل شعوباً ويشرد أمماً أمثال لينن وستالين اللّذَين تسببا فى قتل أكثر من أربعة وعشرين مليون إنسان داخل الاتحاد السوفييتى السابق والأحزاب الشيوعية فى الصين وجنوب اليمن والعراق.
* ظهر من العلمانيين والليبراليين من يكذب ومن يسرق ومن يشنّ الحروب الظالمة التى تنطلق من الأطماع كالحروب العالمية التى كانت الدول المتقاتلة فيها تعتمد العلمانية فى أنظمة حكمها والتى فاق ضحاياها السبعين مليون إنسان، وتبريرات الاحتلال البريطانى للهند وبقية المستعمرات.
* ظهر من الأدباء والفلاسفة وعلماء النفس من يكذب ومن يسرق ومن يناقض الأخلاقيات التى يُقرّ برُقيّها وأهميتها كافتراء «فولتير» على «روسّو» بسبب غيرته من إقبال الناس عليه إلى درجة تأليف كتاب باسم مستعار لفّق فيه تهماً قبيحة قذف بها «فولتير» قرينه «روسّو»، واستجابة «فرويد» لأطماع ابن أخته «إدوارد بيرنيز» فى مساعدته على التأسيس لنظرية التسويق التى تقوم على إيهام المستهلك أنه بحاجة إلى السلعة.
إذاً فالعقل يرفض محاكمة المبدأ والمعتقد لمجرد وجود من يسىء التصرف من أتباعه، لا سيما إذا كان منظّرو هذا المبدأ يرفضون هذه الجرائم فى تنظيرهم له، وكان علماء هذا المعتقد يرفضونها فى عقيدتهم وفتاواهم.
وهنا يبرز عمل التنظير والفتوى وتحقيق صدق انتمائهما إلى المبدأ والعقيدة وصحة تمثيلهما لكل منهما.
وأخيراً..
لعلّه من الأفضل لمن يعيش انفعالاً ناتجاً عن ردة الفعل أن يتريّث قبل اتخاذ أىّ قرار يتعلق بالمبدأ أو المُعتقد إلى أن يهدأ ويتضح له الفرق بين ردة الفعل والبحث الجاد حتى لا يكون فريسة لحالته النفسية فيخالف بذلك مقتضى الأخلاق والعقل اللّذَين يظن فى لحظة الانفعال أنهما منطلق قراره.
(ومِنَ النّاسِ مَنْ يعبدُ اللهَ على حرْفٍ فإنْ أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ وإنْ أصابَتْهُ فتنةٌ انقلبَ على وجههِ خَسِرَ الدُّنيا والآخرةَ ذلكَ هُوَ الخُسرانُ المُبين).
(سنُريْهِم آياتِنا فى الآفاقِ وفى أنفسِهم حتى يَتبيَّنَ لهم أنَّهُ الحقُّ أوَلَم يَكفِ بربِّكَ أنَّهُ على كلِّ شىءٍ شهيد).
اللهم اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق وحبِّبْ إلينا الإيمان وزيّنه فى قلوبنا إنّك أنت الرؤوف الرحيم.
- See more at: http://www.alhabibali.com/writings_details/ln/ar/typeof/2/writingid/144#sthash.vSHiKoFG.dpuf
الحمد لله
ظهرت أصوات تدعو إلى ترك الدين بذريعة ما أفسدته بعض الجماعات المنتسبة إلى العمل «الإسلامى» بأقوالها وتصرفاتها.
وأتفهّم جيداً دواعى مراجعة شرائح متسعة من الشباب لمسلّماتهم الدينية الموروثة طلباً لمعرفة الحقيقة، وهذا من حقهم إذا سلكوا طريق المنهج العلمى الجاد، بل ربما يجب عليهم أن يفعلوا ذلك فى مثل هذا العصر، لكن التوقّف هنا فى الربط بين هذا القرار وما نراه ونشهده من نماذج قبيحة لأقوال كثيرين وتصرفاتهم من المنتسبين إلى التدين وإلى الدعوة إليه.
فمن يُبرر لنفسه ترك الدين بسلوكيات المتدينين الخاطئة ينبغى أن يراجع مصداقيته مع نفسه من الناحيتين الأخلاقية والعقلية، وقبل أن يُساء فهم العبارة ويُظَنُّ أنَّ فيها حكماً على العقول والأخلاق، إليكم بيان المقصود:
أما الناحية الأخلاقية: فالمُقترح عليه أن يُفتّش فى أعماق نفسه عن دوافع قراره ترك التدين، فلربما يجد منها الميل إلى التخلص من أى التزام يوجب عليها أن تفعل أو تترك «الفرض الواجب والممنوع الحرام» فالنفس تستثقل الالتزام، لا سيما إذا كان إلزاماً بغير معرفة للمقاصد أو تذوق للمعانى، وهنا يجد الصادق مع نفسه أنه بحاجة إلى ربط القرارات بأسبابها الحقيقية، ثم يقرر طريقة التعامل معها.
وأما الناحية العقلية: فالمطلوب هو النظر فى صحة المُقدّمة التى بنى على أساسها النتيجة، وهذه المقدمة هى ربط صوابية المبدأ والعقيدة وسلامتهما بتصرفات كل من يدّعيهما، وهذا محل نظر لأنَّ ارتباط تصرفات الإنسان الخاطئة بفهم سقيم لنصوص دينية يعتقدها لا يعنى خطأ هذه النصوص، وإنَّ مخالفة الإنسان للمبادئ التى يتبناها لا يعنى بالضرورة أن يكون الإشكال فى هذه المبادئ، إذ لا يوجد مبدأ أو اعتقاد إلا وقد صدرت عن الذين يعتقدونه أو يتبنّونه تصرفات سيئة.
وإليكم أمثلة واقعية على ذلك:
* ظهر فى مَن يدّعون أنهم «إسلاميون» الكاذب والسارق والقاتل المجرم الذى ينتحل صفة الجهاد كالقاعدة والسلفية الجهادية وبعض الحركات السياسية الإسلامية.
* ظهر فى مَن يدّعون أنهم مسيحيون السارق والكاذب والقاتل باسم الصليب والمدعى بأن الرب قد أمره بشنّ الحرب على بلاد واحتلالها كالحروب الصليبية وميليشيات الصرب وتبريرات احتلال العراق.
* ظهر فى مَن يدّعون أنهم يهود من يسرق ويكذب ويقتل ويحتل ويتآمر كالكيان الصهيونى المحتل واللوبيات التى تعمل على خدمته.
* ظهر فى مَن ينتسبون إلى البوذية من يكذب ويسرق ويقتل ويقوم بالاستئصال العرقى كالحروب القديمة بين البوذيين مع الهندوس وما يجرى الآن فى بورما «ميانمار».
* ظهر من الملحدين من يسرق ومن يكذب ومن يقتل شعوباً ويشرد أمماً أمثال لينن وستالين اللّذَين تسببا فى قتل أكثر من أربعة وعشرين مليون إنسان داخل الاتحاد السوفييتى السابق والأحزاب الشيوعية فى الصين وجنوب اليمن والعراق.
* ظهر من العلمانيين والليبراليين من يكذب ومن يسرق ومن يشنّ الحروب الظالمة التى تنطلق من الأطماع كالحروب العالمية التى كانت الدول المتقاتلة فيها تعتمد العلمانية فى أنظمة حكمها والتى فاق ضحاياها السبعين مليون إنسان، وتبريرات الاحتلال البريطانى للهند وبقية المستعمرات.
* ظهر من الأدباء والفلاسفة وعلماء النفس من يكذب ومن يسرق ومن يناقض الأخلاقيات التى يُقرّ برُقيّها وأهميتها كافتراء «فولتير» على «روسّو» بسبب غيرته من إقبال الناس عليه إلى درجة تأليف كتاب باسم مستعار لفّق فيه تهماً قبيحة قذف بها «فولتير» قرينه «روسّو»، واستجابة «فرويد» لأطماع ابن أخته «إدوارد بيرنيز» فى مساعدته على التأسيس لنظرية التسويق التى تقوم على إيهام المستهلك أنه بحاجة إلى السلعة.
إذاً فالعقل يرفض محاكمة المبدأ والمعتقد لمجرد وجود من يسىء التصرف من أتباعه، لا سيما إذا كان منظّرو هذا المبدأ يرفضون هذه الجرائم فى تنظيرهم له، وكان علماء هذا المعتقد يرفضونها فى عقيدتهم وفتاواهم.
وهنا يبرز عمل التنظير والفتوى وتحقيق صدق انتمائهما إلى المبدأ والعقيدة وصحة تمثيلهما لكل منهما.
وأخيراً..
لعلّه من الأفضل لمن يعيش انفعالاً ناتجاً عن ردة الفعل أن يتريّث قبل اتخاذ أىّ قرار يتعلق بالمبدأ أو المُعتقد إلى أن يهدأ ويتضح له الفرق بين ردة الفعل والبحث الجاد حتى لا يكون فريسة لحالته النفسية فيخالف بذلك مقتضى الأخلاق والعقل اللّذَين يظن فى لحظة الانفعال أنهما منطلق قراره.
(ومِنَ النّاسِ مَنْ يعبدُ اللهَ على حرْفٍ فإنْ أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ وإنْ أصابَتْهُ فتنةٌ انقلبَ على وجههِ خَسِرَ الدُّنيا والآخرةَ ذلكَ هُوَ الخُسرانُ المُبين).
(سنُريْهِم آياتِنا فى الآفاقِ وفى أنفسِهم حتى يَتبيَّنَ لهم أنَّهُ الحقُّ أوَلَم يَكفِ بربِّكَ أنَّهُ على كلِّ شىءٍ شهيد).
اللهم اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق وحبِّبْ إلينا الإيمان وزيّنه فى قلوبنا إنّك أنت الرؤوف الرحيم.
- See more at: http://www.alhabibali.com/writings_details/ln/ar/typeof/2/writingid/144#sthash.vSHiKoFG.dpuf

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعلقك يزيدنا ابداع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting