هى لله.. هى لله

شاهدت فيديو لمسيرة من شباب وسيدات ناهيا كانت متجهة إلى نقطة الشرطة وهى تهتف بهتافات إسلامية يقودها شاب ملتح، يلبس ثوبا أبيض وهو يهتف وتردد المظاهرة خلفه «هى لله.. هى لله». سارت المظاهرة حتى إذا وصلت إلى باب نقطة الشرطة الذى خلا من الحراسة أو الجنود ففتحوه بسهولة ثم حطموا أثاثه وبعثروا أوراقه ومستنداته، ثم قاموا بإشعال النار فى كل محتوياته. لقد تفكرت طويلاً فى هذه المظاهرة وقائدها الشاب الذى يهتف مرارا «هى لله.. هى لله»، وهو يقود عملية الحرق. هتاف الشاب أفزعنى وأزعجنى وآلمنى أكثر من الحرق نفسه.. فكيف تهتف «هى لله.. هى لله» وأنت تحرق وتقتحم وتعتدى على الأماكن الحكومية. كيف تحرق باسم الله.. وكيف تحطم وتدمر باسم الدين.. وكيف تسحل خصومك بعد ذلك باسم الله.. يمكن للإنسان أن يقع فى المعصية أو المنكر، ويدرك أنه يصنع منكراً فيتوب منه إن عاجلاً أم آجلا.. ولكن المصيبة الكبرى التى لا حل لها، هو أن يصنع البعض ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلى الله. «هى لله.. هى لله» شعار هزنى من الأعماق.. آه لو اختار هتافا غيره.. آه من خلل الفكر الذى يؤدى إلى اختلال العقل والممارسة.. فيصير الحرق طاعة.. والتدمير قربى إلى الله.
لقد ذكرنى هتاف هذا الشاب بالرجل الذى أخذ يسدد للخليفة الحيى الراشد ذى النورين عثمان بن عفان طعنات خنجره، ولم يترك الخليفة حتى صار جثة هامدة بعد 9 طعنات نافذة.. وإذا به يقول مفتخراً بعد ذلك «ضربت عثمان بن عفان 9 طعنات 6 منها لله.. وثلاثة لشىء فى نفسى».. ولو صدق الرجل مع نفسه لقال كل هذه الطعنات كانت لنفسى وللشيطان ولإبليس والهوى.. ولكنه حول قتل سيدنا عثمان إلى طاعة وقربى لله. هذا الرجل يقتل عثمان صاحب الثمانين باسم الله، دون أن يرحم سنه ولا فضله أو صحابته للرسول.. ويطعنه باسم الله.. ويفجع أمة الإسلام كلها فى عثمان الرقيق باسم الله. لقد ذكرنى هذا الشاب بابن ملجم الذى قتل سيدنا على بن أبى طالب، وحينما أرادوا أن يعاقبوه قال لهم: إن أردتم أن تقتلونى وتقطعوا أجزائى فافعلوا إلا لسانى فإننى أذكر الله به» فالرجل صاحب لسان ذاكر يحب الله، ويرغب فى ذكره، ولا يريد الانقطاع عن ربه.. ورغم ذلك قتل الخليفة ابن عم النبى (صلى الله عليه وسلم) بطل الإسلام المغوار، وعالمه الذى يتفجر العلم من جوانبه على بن أبى طالب، وهو مستريح الضمير، وكأنه يهتف وهو يقتله «هى لله.. هى لله».. فتكفيره لعلى بن أبى طالب وإخراجه من دين الإسلام، وقتله المعنوى بتكفيره، جعله لا يتورع عن قتله هاتفاً من أعماقه «هى لله.. هى لله». لقد تشربت نفسه البدعة حتى فسد عقله ورأيه فحول إمام الهدى ابن أبى طالب إلى دائرة الكفر، ثم سدد إليه سيف الغدر فقتله. إنه خطأ التصور والفكر الذى يفسد القلب والفؤاد والرأى والعمل.. فينهى الخلافة الراشدة صائحاً «هى لله.. هى لله». على الجميع أن يسأل العلماء الثقات: هل تجيز الشريعة الغراء ما أنوى القيام به ؟!.. فإذا قالوا نعم.. يمكن أن أوجه نيتى بعد ذلك لله.. وذلك بعد أن تأكدت من حل ما أصنع.. إن تقتل عثمان وعلى بن أبى طالب ود. الذهبى.. أو تحرق وتدمر وتسحل وتفتك بخصومك هاتفاً «هى لله.. هى لله».. فهذا ما يخرج عن حدود العقل والمنطق والشرع.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعلقك يزيدنا ابداع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting